«تسونامي» في مواجهة إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أطول الزمن الذي تحتاجه العدالة الأرضية لإحقاق الحقوق، حتى وإن كان إحقاقا غير كامل. 65 عاما احتاجها الأمر كي يحصل الشعب الفلسطيني على دولة بصفة مراقب، بعد أن كانت "كياناً بصفة مراقب" في الهيئة الأممية.. ترى، كم عقداً يحتاج هؤلاء "المشردون في الأرض" لإعلان دولتهم الكاملة على التراب الفلسطيني؟ علامات استفهام كثيرة ترتسم في الأفق، على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني..

ماذا يعني ذلك القرار؟ قطعاً تشعر إسرائيل بغصة في الحلق، عبر عنها مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق "آلون ليال"، فلأول مرة يحصل الفلسطينيون على مكسب دولي كبير من دون تقديم أي تنازلات للإسرائيليين، وهو استحقاق يدفع بهم للمشاركة في منظمات دولية عدة، مما ستكون له عواقب مختلفة على إسرائيل، بما فيها قضايا قانونية.

المأزق الإسرائيلي يزداد ولا شك عندما تتلفت من حولها نحو الدول التي دعمت الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وباتت تتساءل من سيتبقى لها من أصدقاء في دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال؟ هل كان حصول الفلسطينيين على دولة بصفة مراقب بمثابة "تسونامي" في وجه قادة إسرائيل وجنرالاتها؟ هذا ما تقر به صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فالاعتراف يمكن الدولة المراقبة من عضوية المحكمة الجنائية الدولية، وقادة إسرائيل مطاردون في مطارات العالم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية، فكيف الحال إذا ذهب هؤلاء للتشكي عليها بصفة رسمية؟

تذهب السكرة وتجيء الفكرة ويبقى السؤال؛ هل فلسطين بدرجة دولة مراقب دفع معنوي للقضية أم خلق لوقائع جديدة على الأرض؟ وهل الأمر نهاية المطاف بالنسبة إلى النضال الدبلوماسي الفلسطيني أم بداية المخاض؟

الأمر يتوقف على الفلسطينيين أولا، وما ينوون عمله، لا سيما في ظل إرادة أميركية وأوروبية تذهب إلى أن القرار لا يجب أن يكون مدعاة لتعطيل عملية السلام.. أليس من حقنا أن نتساءل: أين هي تلك العملية؟

يشبه حال الفلسطينيين دائناً حصل من مدينه على صك بقيمة ديونه، وطلب إليه أن يحتفظ به عوضاً عن أن يقدمه للبنك ليصرف قيمته! فالفلسطينيون بحسب واشنطن وتل أبيب، ممنوعون من تطويع تلك الصفة دفاعاً عن أنفسهم في مواجهة عربدة جيش الاحتلال صباح مساء. إن استحقاقات القرار في حق الفلسطينيين أنفسهم أمر جلل، فإما أن يضحى حجر زاوية ونقطة انطلاق حقيقية في طريق الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، وإما أن يكون قرارا صوريا مفرغا من أي ديناميكيات مستقبلية في تلك المسيرة.

نعلم أن الأميركيين يهددون بقطع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسميا أنه في حال التصويت على القرار لا يجب "الاعتماد على تجاوب من الكونغرس حول الإفراج عن 200 مليون دولار من المساعدات وعدت بها واشنطن".

وندرك تمام الإدراك أن إسرائيل في المقابل ستوسع من عملياتها الاستيطانية، وستتوقف عن دفع المستحقات الضريبية التي تحصلها نيابة عن السلطة، وستعمد إلى وقف العمل بـ"اتفاقية باريس الاقتصادية" الموقعة مع السلطة كملحق لـ"اتفاق أوسلو"، وإلغاء أو تقييد بطاقات الـVIP المعطاة لكبار مسؤولي السلطة، وتضييق حرية حركة الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتخفيض التبادل التجاري. لكن هذه جميعها تمثل الحادثة، فأين الكارثة الحقيقية إذن التي تجعل من الصفة الجديدة غير ذات قيمة؟

الكارثة أن يبقى الانقسام الفلسطيني قائماً بين الضفة وغزة، بين الإسلاميين والعلمانيين، بين السلطة الوطنية وحماس، وأن تتراجع قوة الرئيس الفلسطيني الذي توعدته هيلاري كلينتون بالندم الشديد حال ذهابه إلى الأمم المتحدة، وأن يتخلى العرب وأصحاب الضمائر الصالحة من العالم كله، عن توفير الدعم الأدبي والمادي اللازم للفلسطينيين في "طريق الآلام" وصولاً لدولتهم التي طال انتظارها.

والمقطوع به أنه حال إخفاق الفلسطينيين في إدراك تلك الحقائق، سيكونون قد وأدوا بأيديهم مكسبا استثنائيا جاء في لحظة صدق نادرة، تجلت داخل "البيت الزجاجي" الممتلئ بأكاذيب أميركا وأراجيف إسرائيل، وساعتها سيخسرون مطلبا كفاحيا أصبح منذ عام 1974 ثالث ثلاثة مطالب في برنامج منظمة التحرير؛ حق العودة، وتقرير المصير، وإقامة دولة وطنية مستقلة عاصمتها القدس.

هل كان القرار الأممي إنذارا للمجتمع الإسرائيلي؟ هذا ما يقرره الكاتب الإسرائيلي "عقوب بن أفرات" وعنده أن "الأفضلية الوحيدة التي تكمن في الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة، ليست إمكانية التوجه إلى المحكمة الدولية، وإنما في الحقيقة أن هذا الإعلان يعزز شرعية الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال، ويعمل بمثابة إنذار للمجتمع الإسرائيلي يؤذن بأن العالم تغير ولم يعد لعناصر القوة الفاشية مكان".

يمكن أن يكون قرار الأمم المتحدة رسالة مزدوجة تدفع في طريق السلام لا المخاصمة، لكن بشروط. فالفلسطينيون في حاجة لميكانيزمات ما بعد الدولة المراقبة، عبر المصالحة الداخلية ومخاطبة العالم بلغة القرن الحادي والعشرين. والإسرائيليون بات عليهم أن يدركوا أنه لا أمن ولا سلام للدولة العبرية من دون قيام دولة فلسطينية بجانبها.

وإذا لم تغير إسرائيل سياساتها وطرق تفكير قادتها وجنرالاتها، فسيحقق الفلسطينيون مزيدا من الانتصارات التي تكرس وقائع جديدة على الأرض لصالحهم، وسيكسبون دعما معنويا، حتما سيعد خصما من الاصطفاف التاريخي الغربي لصالح دولة إسرائيل.

 

Email