من منكم يستطيع رد جميل هذا الوطن؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منكم يستطيع رد جميل هذا الوطن؟

الجميع اعتقد أن اليوم الوطني انتهى وأنه يجب الاستعداد منذ اليوم للعيد الوطني القادم! وطويت الأعلام وأزيلت الشعارات من كل سارية وبيت وعاد كل إلى عمله بعد إجازة كانت ممتعة. غير أن هذا الاعتقاد غير صحيح. باليوم الوطني لا ينتهي بغروب شمس الثاني من ديسمبر من كل عام. ولكنها عادة سيئة يمارسها البعض حتى مع المناسبات الأخرى.

فما أن يغادر شهر رمضان حتى يعود بعضهم إلى التخمة والنميمة وخيانة الأمانة والكذب وإباحة المحرمات. وما أن يعود آخرون من قضاء شعائر الحج، حتى يعودوا إلى ما كانوا فيه قبله من الفرقة والحقد والحسد والبحث عن ملذات الدنيا الزائلة.

اليوم الوطني تذكير لكل مواطن أينما كان، بأن هذه الدولة لو لم تقم بإذن الخالق ثم بقوة إرادة من حملوها على أكتافهم لكنا في سابع تخلف وتأخر وتفرقة وربما تناحر. واليوم الوطني الذي مر علينا واحتفلنا به أيما احتفال، إنما هو جرس تنبيه سنوي بأن هذا الاتحاد ظاهرة نادرة لم تحدث ولم تتكرر في الشرق الأوسط ولا حتى في العالم الإسلامي.

والعيد الوطني أخيراً هو كشف حساب سنوي لكل مواطن أصيل وغيور على وطنه وليس مجرد مسيرات شعبية تنتهي في اليوم الذي يليه. كلا، الوطن لا يطالبنا برد الجميل. ولو افترضنا أنه طالبنا به، يا ترى من يملك القدرة على أن يرد جزءا يسيرا من جميل الوطن علينا؟

نعم. الوطن ليس مجرد انتهاز يوم الثاني والثالث من ديسمبر للاستمتاع بإجازة يومين دون عمل ودون مدرسة ودون جامعة وليس التنافس على تنصيب أكبر وأطول وأعلى علم على أسطح المنازل والعمارات الشاهقة. العيد الوطني جرس إنذار وكشف حساب واختبار.

المواطن هو بالدرجة الأولى الوزير والوكيل والمدير ورئيس القسم والموظف كبيراً كان أم صغيراً والأستاذ والمعلم والطبيب والمهندس والمحامي والطالب في الجامعة والتلميذ في المدرسة والطفل الذي بدأت تنبت أظافره في أحضان والديه. كل هؤلاء هم الوطن. وعلى الجميع هؤلاء وغيرهم ممن يعيش على هذه الأرض لا رد الجميل له وإنما المحافظة على هذا الجميل. وللمحافظة على هذا الجميل لا بد من الحفاظ على الوطن والوقوف بجانب من قام بالحفاظ على وحدته على مدى 41 عاما!

يجب أن نتعامل مع الوطن في كل يوم من كل عام وليس في يوم من كل عام بنفس النشوة والفرح والهمة والحب والإخلاص والتضحية ورفعه ليس فوق بيوتنا فحسب ولكن في قلوبنا.

هذا الوطن لملم شملنا وشد أزرنا بعد أن كنا متفرقين، غير أنه لم يطالبنا بالثمن بل دفع لنا أكثر من الثمن. وهذا الوطن الذي لو لم يقرر أن يتحد في يوم ما بقيادة رجل شهم اسمه كمعناه ويحب أرضه، لأصبحنا في حال بعض إخواننا الذين دمروا بلدهم وشتتوا شعبهم وبددوا ثرواتهم بأيديهم، ثم لم يجدوا غير (وطن الإمارات) موطنا آمنا يحميهم من دائرة الزمن.

الوطن علمنا الحرف منذ نعومة أظفارنا، وأخذ بيدنا حتى بلغ كل واحد منا مبلغه فأصبح منا الوزير والطبيب والمهندس والمحامي والمحاسب والأستاذ الجامعي والإداري وغيرها من المهن التي تشترط العلم والفن والحرفية والإتقان. ولولا الوطن لكان معظمنا اليوم يمتهن مهناً متواضعة قد لا يرضاها لأبنائه وبناته.

كل شبر تخطو عليه خطانا في أمن وسلام وطمأنينة هو الوطن، وكل خطوة نخطوها هو فرح ويوم وطني لا نهاية له.

هل نحن مصرون على رد الجميل له؟ لا بأس. إذن لنكن مخلصين له مع أنفسنا. رد الجميل لهذا الوطن لن يتعدى بعض الكلمات التي تتلخص في الإخلاص والوفاء والتضحية والنزاهة في التعامل معه. أن لا نستغل مناصبنا أياً كانت لزيادة ثرواتنا على حساب أمنه ومستقبله وخيره وحقوق الآخرين. وأن لا نخونه أياً كانت الدوافع والمصالح. وأن لا يغلبنا الطمع فيتمزق الوطن شر ممزق.

لطالما زالت امبراطوريات ودول بسبب الطمع والخيانة وعدم الإخلاص للوطن. ونحن ليس لدينا غير هذا الوطن. فلنخلص له في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل دقيقة في مكاتبنا وفي بيوتنا وفي قلوبنا. وهكذا نكون احتفلنا به بكل بصدق..

 

Email