الكويت بين المقاطعة والمشاركة

ت + ت - الحجم الطبيعي

للمرة الثانية في ظرف أقل من سنة، يذهب الكويتيون إلى صناديق الاقتراع ليختاروا خمسين مرشحاً لمجلس أمة جديد، من المؤمل أن يكمل دورته الاعتيادية التي تمتد لأربعة أعوام.

وقد جرت الانتخابات الأخيرة في جو هادئ، أعقب فترة من التجاذب والاستقطاب في الشارع الكويتي، بين مؤيد لنظام التصويت الجديد القائم على اختيار مرشح واحد، ومناصر للنظام القديم الذي كان بموجبه يختار الناخب أربعة مرشحين.

وجاءت انتخابات السبت الفائت الأول من ديسمبر الجاري، بعد يوم واحد خرج فيه الآلاف من أنصار المعارضة في مظاهرة سلمية - مرخص لها - معبرين عن رأيهم الرافض لنظام الانتخاب الجديد.

كان يوم السبت طويلاً أكثر من ساعاته الاثنتي عشرة المعتادة، إذ كانت تلك الساعات الطوال تشهد صراعاً أو بالأحرى امتحاناً بين إرادتين: الأولى ترى أن النظام الجديد يحقق عدالة أكبر في تمثيل الشعب، والأخرى ترى أن ذلك النظام المستحدث إنما وضع موضع التطبيق للجم المعارضة، وبالتالي فهو يؤدي إلى تشويه الإرادة الشعبية.

وكان رهان الطرفين السياسي، وليس القانوني، هو نسبة التصويت والمشاركة الشعبية في الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

ونسبة التصويت في الانتخابات النيابية الكويتية، هي في العادة لا تتجاوز الستين في المئة من المسجلين في الكشوف الانتخابية. وفي السنوات الأخيرة أصبحت النساء أكثر نسبة في سجلات الناخبين من الرجال، وإن كن أقل إقبالاً على ممارسة حقوقهن في التصويت.

وقد جاءت الانتخابات الأخيرة لتؤكد أن نسبة المشاركة الشعبية نسبة معقولة في ظل دعوات المقاطعة، إذ وصلت إلى ما يقارب الأربعين في المئة. بمعنى آخر، إن أكثر من نصف الذين عادة ما يقومون بالانتخاب، مارسوا حقهم أيضاً هذه المرة ولم تقنعهم دعوات المقاطعين.

ويمكننا رصد جملة من الظواهر في ما جرى يوم السبت الفائت من عملية اقتراع وفقاً لنظام الصوت الواحد، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: اختفاء ظاهرة الانتخابات الفرعية التي كانت تتم في بعض المناطق بين القبائل الكبيرة، والتي بعد أن جرمها القانون أخذت تجري تحت مسميات مختلفة من قبيل "التشاوريات"! وقد أفسح غياب مثل هذا النوع من "التصفيات القبلية"، الفرصة أمام القبائل الصغيرة، التي لم تستطع طوال عمر المجالس النيابية الممتد لنصف قرن، أن توصل أياً من مرشحيها إلى قاعة عبد الله السالم، إذ فتح لها النظام الجديد المجال رحباً بالفوز، لكي يكون التمثيل أكثر توازناً بين قبائل الكويت.

وقد حقق الشيعة رقماً عالياً في هذه الانتخابات لينجح لهم 17 مرشحاً في جميع الدوائر الخمس، وليمثل ذلك اختراقاً، خاصة الفوز في الدائرتين الرابعة والخامسة ذات الصبغة القبلية. ففي جميع الانتخابات السابقة كانت المقاعد التي يفوز بها الشيعة (نوابهم بشكل عام ينتمون إلى الحركة الدينية بتشكيلاتها المختلفة) بين أربعة أو خمسة مقاعد، اللهم إلا في انتخابات العام 1975 فقد حصلوا على عشرة مقاعد لأول مرة. ومن بين هؤلاء السبعة عشر نائباً، امرأة واحدة هي د. معصومة المبارك.

وإذا كانت المرأة قد غابت في الانتخابات السابقة، ولم يحالفها الحظ للفوز بأي من مقاعد المجلس الخمسين، وذلك "للتحالفات الذكورية" التي لم تكن تأخذ العنصر النسائي في الحسبان كمرشحات، بل تنظر إليهن "كأصوات انتخابية"، فإن الوضع في هذه المرة قد اختلف، إذ استطاعت ثلاث منهن الفوز وبجدارة في هذه الانتخابات، وينتمين إلى المكونات الثلاثة للمجتمع الكويتي.

ولعل فوز المحامية ذكرى الرشيدي قد أثلج صدور الكثيرين، إذ يمثل نجاحها اختراقاً لأنها استطاعت الفوز في إحدى المناطق القبلية المغلقة، وبعد محاولات عدة.

ومن الغريب أنها في انتخابات فبراير الماضي قد حصلت على عدد أصوات أكبر من هذه الانتخابات، إلا إنها لم تفز بها. وهذا ربما يكون دليلاً إضافياً على سوء النظام القديم، وعدم مسايرته للتمثيل الشعبي الحقيقي.

على العموم، اجتازت الكويت اختباراً حقيقياً، وأصبحت الكرة الآن في ملعب الحكومة لتبرهن على أن ما كان يعيقها عن إنجاز المشروعات الحيوية هم بحق "نواب التأزيم"، وهذا يتطلب منها تشكيل وزارة قوية من عناصر مشهود لها بالكفاءة والنزاهة.

 

Email