ربيع التغيير في الأردن

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكَّل النظام السياسي الحاكم في الأردن، رغم الإمكانيات المتواضعة، سداً منيعاً في وجه أعدائه وخصومه من الخارج والداخل. تعرّض الأردن لعدد لا حصر له من محاولات النيل من استقراره المتميز والفريد من نوعه في المنطقة؛ من الدول الشقيقة المجاورة والبعيدة.

 بعد كل محاولة كان يخرج أكثر صلابةً وثباتاً، وأنموذجاً للأمان والاستقرار. يعود الفضل الأساس في ذلك إلى حكمة القيادة والريادة المتمثلة بالأسرة الهاشمية، بالذات الملك الراحل حسين وخليفته الملك عبد الله الثاني.

أكثر ما يُحسب للأردن وقوفه المميز، ثمة الصامت الهادئ، ضد الأطماع التوسعية الإسرائيلية في اتجاه ما يُعرف بالجبهة الشرقية. بجدارة يمكن اعتباره خط الدفاع الأول عن الديار المحلية والعربية والإسلامية، على أطول جبهة مواجهة عربية مع إسرائيل، وأكثرها صعوبةً للدفاع عنها.

هذا رغم خسارته للضفة الغربية والقدس الشرقية في حرب عام 1967، حين استُدرِج أو جُرَّ عنوةً للذهاب إليها خالي الترسانة والوفاض. لا يمتلك الأردن جهازاً إعلامياً ثورياً كاسحاً، يبث على مدار الساعة مواد وشعارات تمجيديةً تُسمع في الأركان البعيدة. في ذلك عرفت وتعرف القيادة الأردنية حدود قدراتها الطبيعية والمكتسبة، التكتيكية والاستراتيجية.

صمد الأردن بصلابة أمام عتاة التطرف والتشدد، من الديماغوجيين والغوغائيين واللاواقعيين ودعاة الفوضى ومثيري الشغب. هؤلاء كانوا يطلبون من الدولة الرسمية ما هو خارج نطاق إمكانياتها بالكثير.

منهم من كان يذهب به الطلب لإعلان الأردن الحرب، أو المقاطعة، ضد دولة أو دول عظمى. وما لم يفعل ذلك يعرّض نفسه لعدد لا حصر له من التهم، مثل الانهزامية والانبطاح والعمالة والخيانة! في كل هذا وذاك، تُحسب للقيادة الأردنية الهاشمية نقاط إيجابية حاسمة لا حصر لها.

يمر الأردن اليوم بظروف اقتصادية وسياسية صعبة، تجعله عرضةً لفراغ أمني وقيام فوضى شعبية؛ يظن القائمون على تأجيجها أنها جزء من حركة الربيع العربي المستعرة. الأردن بحاجة إلى مد يد العون تأتيه من الأشقاء بالدرجة الأولى، للتغلب على الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة؛ التي هي امتداد للأزمة المالية العالمية والإقليمية. الفساد في الأردن هو حقيقةً ليس من صنع النظام الإداري، بقدر ما هو ظاهرة عالمية تاريخية من صنع البشر.

لا يستحمل الأردن، لا الشعب ولا القيادة ولا الوطن ولا الجغرافيا، مرور ربيع التغيير عليه مثلما يمر على مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها. في تلك الدول حل أنموذج أقرب إلى "الصوملة"، بدل قيام أنظمة ديمقراطية تلبي طموحات شعوبها.

طبيعة التركيبة الشعبية الأردنية مميزة، وينقصها الهدوء والاستقرار والطمأنينة، بدل تعريضها لظاهرة الفوضى البنّاءة أو الهدّامة. قليل من الدعم مع بعض الحكمة والتعقل في مواجهة ظاهرة الفساد والانكماش الاقتصادي، تصلح الأمور وتسير باتجاه الأفضل. ذلك ما يجنب الدولة والإقليم والمنطقة، الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المترتبة على تحرك تنقصه العقلانية الكافية.

اضطرت الحكومة الأردنية لرفع أسعار المحروقات، في محاولة منها لامتصاص أثر، أو تحجيم حالة التقشف، التي لجأت إليها غالبية دول العالم. يمر على أهل الأردن شتاء قارس، يأتي على الأطفال والشيوخ والنساء، في البيوت وأماكن العمل والعبادة.

يلجأ الناس إلى الأساليب القديمة في حرق المواد الأولية، مثل الحطب وبقايا الأدوات القديمة القابلة للحرق. لم يجد الأردن بديلاً ولو مؤقتاً عن الغاز المصري، وحوله منطقة تجثم فوق بحور من البترول والغاز الطبيعي.

آخر ما يحتاج إليه الأردن، هو ربيع التغيير بالطريقة التي مر بها حتى الآن ضد مختلف الأنظمة السياسية ذات الطبيعة الاستبدادية المعمَّدة أصلاً بالعنف والبطش وإرهاب النظام "الدستوري". الأردن بحاجة إلى الدعم والتفهم الشعبي الداخلي والخارجي. على الفئات الأردنية أن تدرك أن المستقبل أمام الفوضى لا يمكن التنبؤ، بل الاستبشار، به. ثمة على الأشقاء تقديم ما يستطيعون من الدعم المالي، الذي لا يزال تقديمه يسيراً.

أخيراً، وليس آخراً، بات على القائمين على الإدارة والنظام في الأردن، أن يدركوا أن الإصلاح فرض عين على كل مسؤول ومواطن غيور على مصلحة الشعب والوطن، والأمة والمصير!

 

Email