دروس من العواصف السياسية والطبيعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرّت كل من العاصفة التي سببتها الطبيعة الأم، والعاصفة الانتخابية التي صنعها البشر في أميركا، ولكن لا تزال التقارير تتوارد إلينا بشأن الدمار الذي خلفه إعصار ساندي.

ووفقاً لمايكل بلومبرغ عمدة نيويورك، فإن هناك ما يصل إلى 40 ألف شخص من سكان نيويورك بحاجة إلى مساكن جديدة، ولا تزال خطوط الغاز مسدودة على امتداد أجزاء من نيويورك ونيوجيرسي، وبلغ عدد القتلى 110 أشخاص.

ومع انتهاء الانتخابات الرئاسية، فإن هذه لحظة طيبة لطرح بعض الأسئلة الكبيرة، وهذا ما وجدنا أنفسنا نقوم به على مدى أسبوع تقريباً، على ضوء الشموع بمجرد غروب الشمس، وإلى حد كبير، قمنا به كرهاً، منفصلين عن التفاصيل اليومية. إنه لأمر مدهش أن نرى بسرعة، كيف أن أولويات المرء يعاد ترتيبها بشكل تام. ولعدم قدرتي بشكل كافٍ على التواصل مع العالم الخارجي، فقد قررت أن أنتهز الفرصة وأتواصل مع عالمي الداخلي.

السؤال الأول الكبير والأكثر وضوحاً الذي سألته لنفسي: لماذا يكون من الصعب علينا كثيراً أن نستشرف الأفق ونمنع الكوارث المقبلة، أو على الأقل تخفيف آثارها؟ وخاصة في الحالات التي تكون لدينا فكرة جيدة، رغم أننا قد لا نعرف بالضبط أي شكل سوف تكون عليه، بشأن ما يتعين علينا القيام به لحماية أنفسنا.

يقول النائب من الحزب الديمقراطي إد ماركي: «في أعقاب حدوث الإعصار ساندي، يجب أن تكون هناك دعوة للاستيقاظ».. ويضيف: «لم يعد تغير المناخ قضية بعيدة. وإنما هي على أبوابنا في الوقت الحالي، ويجب علينا النظر في كيفية معالجة العوامل الكامنة التي تغذي هذه الظواهر الجوية المتطرفة».

إننا نعلم ما يجري، ونعلم أنه سوف يستمر في الحدوث، وأن الأمر سوف يزداد سوءاً. في الوقت نفسه، فإنه من دون التعرض لأعاصير هائلة مثل ساندي، فإن البنية التحتية في أميركا متداعية، وقد باتت الحاجة لإصلاحها أكثر إلحاحاً.

وهذا، بالطبع، هو المكان الذي تأتي فيه القيادة. وظيفة أي قائد هي أن يستشرف الأفق، ويرى ما سيأتي، ويشكّل توافقاً في الآراء حول الحاجة لمواجهة الأزمة التي تلوح في الأفق، قبل أن يحل جبل الجليد أو إعصار هائل. وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الحادي عشر من سبتمبر، أن الناس لم يكونوا قلقين إزاء الإرهاب، ولكن كان الأمر سيكون مفيداً لو أن القادة الأميركيين كانوا كذلك.

إلا أن موسم الانتخابات قد انتهى، ولم تتم إثارة قضية التغير المناخي، رغم أن هناك اختلافات واضحة بين الحزبين بشأن هذه المسألة، فليس أي منهما، بشكل خاص، حريصاً على التعبير عنها. كتب تيموثي إيغان أن الجمهوريين «يتم تمويل حزبهم من قبل أناس تعتمد ثرواتهم على إنكار أن البشر تسببوا في تغيير أنماط الطقس على سطح الأرض نحو الأسوأ». ولكن، كما يشير إيغان، لم يكن هناك الكثير من القيادة على الجانب الآخر أيضاً.

 ويقول: «الرئيس أوباما التزم الصمت بشأن هذه المسألة التي تعتبر على درجة عالية من الأهمية لابنتيه، ساشا وماليا، ولأولادهما. فهو يخشى من هذه الجيوب من أصحاب استخراج الفحم والناخبين المنكرين لتغير المناخ في ولاية فرجينيا وبنسلفانيا وأوهايو».

إن واحدة من أفضل الطرق لتعزيز حياتنا الداخلية، وبناء القدرة على التحمل الروحي في داخلنا، تتمثل في مد الأيدي لمساعدة الآخرين. وهذا هو السبب، كما تشير ليزا ميلر، في أن الجماعات الدينية غالباً ما تلعب دوراً فريداً في الإغاثة في حالات الكوارث: «إن الحكومة والجماعات الدينية يمكن، بل وينبغي، أن تتعاون في كارثة.

فالاستجابة الدينية ليست استجابة ضعيفة أو عاطفية، وفي الساعات الـ 72 الأولى بعد وقوع كارثة، لدى الكنائس والمعابد والمساجد معلومات لا تتوافر لدى الحكومة، وهي تعرف أين يعيش أعضاؤها، ومن هم المحاصرون، ومن هم المسنون، ومن هم المعاقون، وتعرف بالضبط من الذي أحرق منزله، وعدد أطفاله والحيوانات الأليفة لديه، وعادة ما يعيش هناك.

يمكنهم حشد مجتمع، كما هو موجود في منطقتي، لوضع الأحذية على الأرض وتغذية الناس ومساعدة الحكومة على فهم حجم المشكلة».

المآسي مثل ساندي، تقدم فرصة لنا لتقييم ما نحن عليه. وكما هي الحال مع معظم الكوارث، فإن هذه العاصفة أفرزت كل ما هو أفضل وأسوأ في الناس، ولكن في الغالب، أفرزت الأفضل. نعم، كانت هناك حالات منفردة للسلب والنهب والجرائم الصغيرة، ولكن كان هناك أيضاً تدفق في الرغبة لمساعدة روابطنا على التواصل وتعزيزها.

وهذا يطرح سؤالاً آخر كبيراً، وهو: لماذا يتطلب الأمر حدوث كارثة لإبراز أفضل ما لدينا؟ إننا في النهاية نعلم أن هناك أشخاصاً في حاجة ماسة في كل وقت، وفي كل مجتمع، وفي كل ولاية، ونعرف أن 46 مليون شخص يعيشون في حالة فقر في الوقت الحالي. فلماذا لا نستمر في هذه الروح المثلى، حتى بعد أن تقف هذه المجتمعات التي مزقتها العاصفة على أقدامها؟.

وبالطرق الواقعية للغاية، فإن الحاجة لرعاية كوكبنا، وحاجتنا لرعاية الجوانب الروحية في داخلنا، من خلال الوصول إلى رعاية الآخرين، كلها بالدرجة نفسها من الأهمية.

 

Email