دأب الاتحاد الأوروبي على أن يشكل ما يطلق عليه علماء النفس وصف "الموضوع الرائع"، أي الهدف المرجو الذي يشعل خيال الناس. وكنت أرى فيه تجسيداً للمجتمع المفتوح، وهو مجموعة من الدول التي تخلّت عن جزء من سيادتها من أجل الصالح العام، وشكّلت اتحاداً لا تهيمن عليه أي دولة بعينها.
إن أزمة اليورو تهدد الآن بتحويل الاتحاد الأوروبي إلى كيان مختلف جذرياً. فقد أصبحت الدول الأعضاء الآن منقسمة إلى فئتين، هما الدول الدائنة والدول المدينة، والدول الدائنة هي المتحكمة في الأمر. وتحتل ألمانيا، باعتبارها الدولة الدائنة الأكبر حجماً والأكثر جدارة ائتمانياً، مركزاً مهيمناً. ونتيجة للسياسات الحالية، تدفع الدول المدينة علاوات خطر كبيرة لتمويل ديونها، وهو ما ينعكس في ارتفاع تكاليف التمويل لديها بشكل عام. ولقد دفع ذلك الدول الدائنة إلى الانكماش، وفرض عليها قصوراً تنافسياً كبيراً يهدد بأن يكون مستمراً.
ليس هذا نتيجة لخطة مدروسة، وإنما هي سلسلة من الأخطاء السياسية. فلم تسع ألمانيا إلى احتلال مكانة مهيمنة، وهي مترددة في تقبل الالتزامات والمسؤوليات التي تفرضها عليها هذه المكانة. إنني أصف هذا الموقف بأنه "مأساة الاتحاد الأوروبي".
تعطينا التطورات الأخيرة سبباً للتفاؤل، وتسعى السلطات إلى اتخاذ خطوات لتصحيح أخطائها. أتذكر قرار قمة يونيو بتشكيل الاتحاد المصرفي، وخطة التدخل غير المحدود من قبل البنك المركزي الأوروبي في سوق السندات السيادية. لقد اطمأنت الأسواق المالية إلى أن اليورو باقٍ، ويمكن أن يكون هذا بمثابة نقطة تحول، شريطة فرضه من خلال اتخاذ خطوات إضافية نحو المزيد من التكامل. ولسوء الحظ، فما كان من ذلك إلا دعم ألمانيا للمزيد من التنازلات.
تتميز خاصية مميزة للمأساة التي أتحدث عنها، في أنها تتغذى على الأمل، إذ تظل ألمانيا على استعداد للقيام بالحد الأدنى من الجهد، ولا شيء أكثر من ذلك للحفاظ على تماسك اليورو، وهو ما من شأنه أن يديم الانقسام بين الدول الدائنة والمدينة.
تنذر هذه الفجوة بأنها لن تصبح وضعاً حقيقياً، ولا بد من إيجاد وسيلة لمنع هذه الفجوة، ذلك أن التاريخ ليس قدراً محتماً على أية حال. عندما كان الاتحاد الأوروبي مجرد فكرة، أو كائن رائع، تم تصوره كأداة للتضامن. واليوم، فهو قائم بحكم الضرورة البحتة، ولا يفضي إلى شراكة متناغمة. والسبيل الوحيد لعكس هذا المصير العنيد على ما يبدو، هو استعادة روح التضامن.
وبما أنني مؤمن بشدة بالاتحاد الأوروبي بوصفه تجسيداً لمجتمع مفتوح، فقد قمت بتأسيس مبادرة المجتمع المفتوح من أجل أوروبا، وأسعى للسبل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.
أدركت أن أفضل مكان للبدء في هذه المبادرة، هو من حيث تسببت السياسات الحالية في تشكيل قصة أكبر معاناة إنسانية. وبشكل واضح، فإن هذا المكان هو اليونان. ففي اليونان، يعد مصير العديد من المهاجرين وطالبي اللجوء السياسي العالقين هناك، محزناً بشكل خاص. وبشكل واضح، فمن غير الممكن فصل محنتهم عن محنة اليونانيين أنفسهم. ولن تؤدي أي مبادرة مخصصة للمهاجرين، إلا إلى تعزيز مشاعر الكراهية التي يواجهونها من الأغلبية.
لقد بدت المشكلة معقدة، ولا أعلم كيف يمكن التعامل معها، لكنني كنت في استكهولم مؤخراً، لإحياء الذكرى المئوية لميلاد راؤول والنبيرغ، وقد أيقظت ذكرياتي عن الحرب العالمية الثانية، وهي الكارثة التي أفضت في نهاية المطاف إلى ميلاد الاتحاد الأوروبي.
أوحت لي هذه الذكرى بالفكرة؛ بوسعنا أن نقيم بيوت تضامن في اليونان، والتي يمكن أن تكون بمثابة مراكز مجتمعية للسكان المحليين، وتقدم في الوقت نفسه الطعام والمأوى للمهاجرين. هناك بالفعل العديد من الجمعيات الخيرية التي تكثف جهودها، لكن مدى المشكلة طاغٍ، وتصوري يتلخص في تعزيز هذه الجهود.
لقد تعطلت سياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، إذ يتعين على اللاجئين أن يسجلوا أنفسهم في البلد العضو الذي دخلوا إليه، ولكن الحكومة اليونانية لا تستطيع أن تعالج كل الحالات. فقد تم وضع نحو ستين ألفاً من اللاجئين الذين سعوا إلى تسجيل أنفسهم في مرافق احتجاز، حيث الظروف غير إنسانية. والمهاجرون الذين لا يسجلون أنفسهم ويعيشون في الشارع، يتعرضون لهجمات المجرمين الهمجيين من أنصار حزب "غولدن دون".
أعربت النرويج عن اهتمامها بمصير المهاجرين في اليونان وفي داخل الاتحاد الأوروبي، ووضعت السويد الهجرة وسياسة اللجوء بين أهم أولوياتها، لذا فإن النرويج والسويد يصلحان أن يكونا مرشحين أوليين لدعم بيوت التضامن، ونأمل أن تنضم إليهما ألمانيا ودول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
في الوقت الحالي، يوفر حزب "غولدن دون" خدمات اجتماعية لليونانيين في حين يهاجم المهاجرين. وهذه المبادرة التي اقترحتها تقدم بديلاً إيجابياً، فهي تقوم على التضامن، أي تضامن الأوروبيين مع اليونانيين وتضامن اليونانيين مع المهاجرين. وهي تقدم إظهاراً عملياً لروح التضامن، التي لا بد أن تبث في الاتحاد الأوروبي.