الإمارات واليابان.. رؤية استراتيجية للتعاون

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى هزيمة اليابان القاسية في الحرب العالمية الثانية، لم تكن لديها علاقات اقتصادية أو ثقافية أو مالية مهمة في المنطقة العربية بكاملها. وعندما بدأ الاقتصاد الياباني يستعيد عافيته وانتقل منذ سبعينيات القرن العشرين إلى بناء معجزة اقتصادية متميزة، زادت صادرات النفط العربي إلى اليابان بنسبة كبيرة، خاصة من دول الخليج العربي كالإمارات والسعودية والكويت، بالإضافة إلى العراق وإيران.

استفاد اليابانيون كثيرا من علاقاتهم الاقتصادية مع العرب، ليبيعوا كميات هائلة من السلع الاستهلاكية اليابانية في جميع الأسواق العربية. وكان الميزان التجاري يعمل لمصلحتهم بنسبة كبيرة، استنادا إلى شعار "النفط العربي الخام مقابل تكنولوجيا الاستهلاك من اليابان".

كانت أسعار النفط الخام والمواد الأولية في البداية رخيصة جدا مقابل سلع يابانية مصنعة وغالية الثمن، لكن الاقتصاد الياباني تعرض لضربة قاسية بعد أزمة حظر النفط العربي وارتفاع أسعاره في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وحربي الخليج. ثم عاش أزمة حادة بعد أن أطلق عليه "اقتصاد الفقاعة"، عام 1993، والتي زادت حدة بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن في العام 2001.

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زاد اهتمام اليابان بالدول العربية المنتجة للنفط والغاز، نظرا لحاجة المصانع اليابانية المستمرة إلى هاتين السلعتين، وما زالت اليابان تستورد قرابة 87٪ من احتياجاتها النفطية من الدول الشرق أوسطية. وتشارك اليابان بفاعلية في النظام العالمي الجديد، وتعمل مع دول آسيوية كبرى في مجموعة "آسيان"، لتحويل القرن الحادي والعشرين إلى قرن آسيوي بامتياز، تلعب فيه اليابان دورا علميا واقتصاديا مهما، إلى جانب الصين والهند وكوريا وباقي دول النمور الآسيوية.

تطور التبادل التجاري بين الدول العربية واليابان بصورة مطردة. ورغم وفرة المصالح اليابانية في الدول العربية، لم تتم الاستفادة المتاحة من التكنولوجيا اليابانية المتطورة، لإقامة مصانع للسيارات، أو الأدوات الكهربائية، أو المواد الطبية، أو صناعة الكومبيوتر وغيرها.

وتتحمل القيادات السياسية العربية مسؤولية مباشرة في هذا المجال، لأن توطين التكنولوجيا اليابانية واستخدامها في بناء نهضة صناعية عربية، هم في أمس الحاجة إليها، يساهم في إيجاد فرص عمل لملايين الشباب الذين نالوا شهادات عالية من أرقى الجامعات العالمية، وامتلكوا مهارات تقنية كبيرة تساعدهم على تنمية دولهم.

 لقد تجاهل معظم الأنظمة العربية دور الشباب وقدراتهم العلمية والتقنية، مما أدى إلى هجرة كثيفة للأدمغة العربية، وتفجير انتفاضات شبابية طالت عددا من الدول العربية.

نجحت السياسة البراغماتية اليابانية بتوظيف الدبلوماسية في خدمة الاستثمارات اليابانية المتزايدة في الدول العربية، وجذبت اليابان اهتمام العرب بشدة منذ نهاية الحرب الباردة وعولمة الاقتصاد الياباني على نطاق واسع، وأبدت ترحيبا حارا بأي مسعى جدي يفضي إلى حل ثابت ودائم للصراع العربي - الصهيوني، على أسس عادلة تعيد الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز، والتي استقطبت نسبة متزايدة من الرساميل اليابانية لتساهم في تنمية الشعوب العربية وتطوير مواردها البشرية والطبيعية، فتطورت علاقاتها الاقتصادية بسرعة مع معظم الدول العربية، إلى جانب تعزيز العلاقات الثقافية المشتركة بين الجانبين.

إلا أن الصراع المستمر في منطقة الشرق الأوسط البالغة الأهمية في الاقتصاد العالمي، يثير إرباكا كبيرا للتوظيف المالي الياباني فيها، بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها اليابان في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين.

فاعتمدت سياسة التوظيف الآمن في المناطق المستقرة والبعيدة عن النزاعات الداخلية والحروب الإقليمية، وتبنت مقولة براغماتية ترى أن التوظيف المالي المربح ونقل التكنولوجيا المتطورة، يحتاجان أولا إلى استقرار طويل الأمد، يسمح بتدريب القوى البشرية المحلية على تعظيم الإنتاج.

تنبهت اليابان إلى أن الإمارات هي من أكثر الدول العربية استقرارا ونموا اقتصاديا، فشهد التعاون الاقتصادي بين الدولتين قفزات هامة خلال السنوات الست الماضية، وزاد تواجد المؤسسات المالية والمصرفية والشركات والاستثمارات الصناعية اليابانية في الإمارات، وزاد معها حجم التبادل التجاري للمنتجات والسلع.

وتتمتع الدولتان بمزايا تنافسية، حيث بلغت قيمة صادرات اليابان إلى الإمارات عام 2006 قرابة أربعة مليارات دولار، مقابل واردات اليابان من النفط والغاز والمعادن من الإمارات بنسبة تزيد على ثلاثة مليارات دولار.

وارتفع الحجم الإجمالي للتجارة بين اليابان ودول مجلس التعاون الخليجي بنسبة تزيد على 3٪، في النصف الأول من العام 2009 ليصل إلى 23 مليارا و849 مليون دولار، واحتلت الإمارات المركز الأول بين الدول الست كأكبر مصدر لليابان.

وتضم الإمارات أكثر من 350 مكتبا للشركات اليابانية، منها 280 في دبي وحدها. وتشير أرقام صادرة عن مؤسسات يابانية وإماراتية رسمية، إلى أن الإمارات احتلت المركز الأول بين دول مجلس التعاون في مجال التصدير إلى اليابان، حيث وصلت نسبة صادراتها إلى 35٪، تلتها السعودية بنسبة 33٪.

ثم تطور حجم التبادل التجاري بين اليابان والإمارات بشكل عمودي في السنوات الثلاث الماضية، فارتفعت نسبة التجارة الإجمالية بينهما بنحو 32٪ في العام 2010 عن العام 2009، لتصل إلى أكثر من 98 مليار درهم، أو قرابة 27 مليار دولار.

وفي الفترة نفسها، نمت قيمة صادرات الإمارات إلى اليابان في العام 2010 بنسبة 36٪ عن العام 2009، لتصل إلى قرابة 78 مليار درهم أو 21 مليار دولار. وارتفع حجم الفائض في الحساب التجاري لصالح الإمارات في العام نفسه، بنسبة 44٪ عن العام السابق، ليصل إلى 58 مليار درهم أو قرابة 16 مليار دولار.

وأكد تقرير دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي المنشور على موقع "الرؤية الاقتصادية" بتاريخ 20 أغسطس/ آب 2012، أن الإمارات هي الشريك الخليجي الأكبر في التعاملات التجارية مع اليابان. وتركزت وارداتها على السيارات، والأجهزة الإلكترونية، والآلات، والنسيج، مقابل صادراتها إلى اليابان من البترول الخام والغاز الطبيعي.

ختاما، نوه تقرير التنمية الاقتصادية الصادر بمناسبة انعقاد "ملتقى أبوظبي - طوكيو للاستثمار 2012" في طوكيو، بالعلاقات الاقتصادية بين الإمارات واليابان، والتي شهدت تطورا كبيرا إلى أن باتت اليوم ذات طبيعة استراتيجية، هدفها زيادة التبادل التجاري والاستثمارات والتفاعل الثقافي المشترك، مما يبشر بولادة استراتيجية جديدة ذات أبعاد مستقبلية بين اليابان والإمارات بشكل خاص، ومع دول الخليج وباقي الدول العربية بشكل عام.

 

Email