تنفست الكويت الصعداء

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءتني بنتي الصغيرة «وضحه» مساء الأحد الماضي الرابع من الشهر الجاري، وقالت لي متسائلة: بابا بتصير حرب الليلة؟، فقلت لها: منو قالك هذا؟، فقالت: رفيجاتي في المدرسة! والأرجح أن ما كان يخالج نفس ابنتي الصغيرة وزميلاتها، هو ما كان يخالج نفس كل كويتي طوال ذاك اليوم الطويل، الذي أعتبره شخصياً والكثيرون يوافقونني في الرأي - من أطول أيام الكويت، ومن أكثرها حسماً وأهمية في تاريخها.

فقد دعا بعض نواب المعارضة والجماعات الشبابية، إلى مسيرة في وسط العاصمة بعد صلاة العشاء من ذلك اليوم، اعتراضاً على تغيير نظام التصويت في الانتخابات المزمع إجراؤها بعد شهر، من التصويت لأربعة مرشحين إلى التصويت لمرشح واحد، حيث يعتبره المعارضون للنظام الجديد بأنه يرقى إلى تزوير إرادة الأمة، والتحكم في نتائج العملية الانتخابية. وأعلنت وزارة الداخلية أنها ستمنع «المسيرة»، لأنها غير مرخصة.

وبالفعل، فقد اتخذت الحكومة إجراءات غير مسبوقة في تاريخ الكويت، وذلك بإنزال القوات الخاصة، وهي قوات مدربة لمكافحة الشغب، والحرس الوطني، ووضعت الجيش في حالة الاستنفار، ونفت بشدة طلباً للعون الخارجي من الدول الشقيقة، كما كان قد تداوله البعض عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

وما دفع الكويتيين إلى وضع أيديهم على قلوبهم، خوفاً ووجلاً على «مصير بلادهم الصغيرة»، أن أحداثاً وقعت قبل ذلك «الأحد» بأيام معدودة، جرت فيها مصادمات بين قوات الأمن والمتظاهرين الشباب، إثر تصدي تلك القوات لمسيرة كانت متجهة للسجن المركزي لإطلاق سراح النائب «مسلم البراك»، والذي يعتبر الآن زعيم المعارضة بدون منازع، والذي أخذ البريق من غيره من المعارضين، وعلى رأسهم رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون.

ولم يخلُ ذلك اليوم «الطويل» من «حراك سياسي»، ومشاورات ولقاءات، إذ استقبل سمو الأمير، وجهاء إحدى القبائل التي لها ثقل نيابي وسكاني على حد سواء، فضلاً عن بعض نواب المجالس السابقة، إضافة إلى وفد من جمعية إحياء التراث الإسلامي، وهي تمثل الجماعة السلفية في الكويت، وأبرز ممثليها في البرلمان خالد السلطان ومحمد هايف.

وقد خرج الوفد من الاجتماع برفضه «لأعمال التهييج أو التعدي على مقام سموه حفظه الله»، واعتبر أن هذا أمر «مرفوض شرعاً وعرفاً، ولا يخدم إلا أعداء الكويت».

ولم يكن ضمن الوفد بالطبع أتباع «السلفية العلمية»، وممثلهم في المجلس النائب وليد الطبطبائي، الذي هو من ضمن نواب المعارضة، والمؤيدين لخروج المسيرة. وغاب عن الوفد أيضاً الإخوان المسلمون، وشيوخ الدين المحسوبون عليهم، ما يبين بجلاء موقف الإخوان الحقيقي في هذه المرحلة التاريخية، إذ هم سيقطفون ثمار هذا التحرك، وسيكون لهم نصيب الأسد فيه!

وتنفس الكويتيون الصعداء في الساعة الثامنة مساءً تقريباً، حينما علموا أن الغمامة السوداء «عدت على خير»، وأن تجمعاً صغيراً قد التأم في مكان بعيد عن الموقع الأصلي، دون أن تنجم عنه مواجهات فعلية.

فالكويت الصغيرة لا تحتمل أن يواجه أبناؤها بعضهم بعضاً، فإذا كان ثمة من يرفض نظام الصوت الواحد، فإن آخرين يرونه هو المخرج، أو على الأقل، هو حل مؤقت إلى أن يتوصل المجتمع إلى حل جذي ينعقد عليه الإجماع عبر حوار هادئ.

والعجيب في هذه الأحداث، أن يقف بعض رموز الحركة الوطنية والعناصر المستنيرة، التي لها باع طويل في إرساء قواعد الحياة الديمقراطية في الكويت، صفاً واحداً مع حركة الإخوان المسلمين، وأن تضع يدها في يد هذه الحركة، بحسن نية، ودون أن تعي مخاطر هذا «التحالف» الذي يتراكض عليه الإخوان، ويسعون إليه جاهدين، لأنهم هم الكاسبون منه، فهم «التنظيم السياسي الوحيد» في الكويت، أما الباقون، ومنهم التيارات الوطنية، والتحالف الشعبي، فهم عبارة عن شخصيات ورموز، مهما كانت شعبيتها، والجماهير العفوية المنضوية حالياً حولها، فإنها لن تستطيع منافسة «الإخوان» المنظمين تنظيماً دقيقاً، والذين هم في حالة «نفير» الآن، ويريدون بكل وسيلة الاستفادة من «الربيع العربي»!!

والعبرة لمن اعتبر.

 

Email