دوامة الكويت

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعجبني بيان جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت الذي جاء على أعقاب الأحداث الأخيرة التي وقعت في الكويت إثر تعديل الحكومة لنظام التصويت في الانتخابات القادمة والمزمع إجراؤها في ديسمبر، أي بعد شهر واحد.

 إذ يعطي هذا التعديل الناخب حق التصويت لمرشح واحد بدلاً من أربعة مرشحين، وهو ما كان معمولاً به منذ العام 2006 حينما عدلت الدوائر الانتخابية من 25 دائرة إلى خمس دوائر فقط. فقد دعا بيان جمعية أعضاء هيئة التدريس الذي صيغ بأسلوب هادئ إلى تطوير النظام الديمقراطي الذي تسير عليه الكويت منذ نصف قرن وتحديداً منذ العام 1962.

والتطوير كلمة سحرية لا يختلف عليها اثنان في الكويت سواء حُسب المرء على المعارضة أم على المستقلين، فالكل يستشعر أننا وبعد نصف قرن من العمل بدستور 1962 وبالعمل بعدة تقسيمات للدوائر: من عشرية إلى خمس وعشرين دائرة إلى خمسة، ومن نظام يصوت فيه الناخب لخمسة مرشحين، إلى آخر يصوت فيه لاثنين ثم لأربع وأخيراً لواحد.

وبعد توقفات كان البعض منها غير دستوري وأخرى جرت وفق ضوابط الدستور وحدوده، وبعد تلك التجربة الغنية والمتراكمة من العمل البرلماني وفي ظروف سياسية محلية وإقليمية ودولية متغيرة.

أقول: بعد كل هذا الإرث لا بد للجميع أن يخرج بعظات ودروس مما مررنا به خاصة وإننا بعد أيام قلائل سنحتفل بالذكرى الذهبية لوضع الدستور والذي مضى العمل بأحكامه نصف قرن كاملة. لا بد أن نجدد قناعتنا بما وضعه الآباء المؤسسون في جوف هذا الدستور من مبادئ وأحكام وما احتوى من نظرتهم لكويت الغد، تلك الدولة الفتية التي كانت قد نالت استقلالها للتو والتي تفجرت من باطن أراضيها ثروة نفطية هائلة، والتي كانت تشق طريقها في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

ولا أخال أحداً في الكويت لا يؤمن بأهمية هذه الوثيقة التاريخية ولا بدورها في دفع عجلة التقدم قدماً والتي ابتدأت بالدوران منذ خمسينيات القرن الماضي، ولا أظن أحداً أيضاً ينكر ما كان لهذا الدستور من قوة معنوية في أيام المحن وخاصة في أوقات الاحتلال العصيبة في 1990 ونظرة القوى الكبرى المتعاطفة إلى الكويت بوصفها دولة يحكمها دستور في مقابل نظام استبدادي فردي غاصب. ثم ما ظهر من تصميم الكويتيين على التمسك بالدستور في مؤتمر جدة في أكتوبر من ذلك العام، وتأكيدهم الولاء للأسرة الحاكمة.

إن الدستور أرسى قواعد الدولة الكويتية الحديثة وبين آليات عملها، حيث فصل بين سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، سلطات مستقلة لكنها في ذات الوقت متعاونة. ثم بين بوضوح صلاحيات المجلس وتلك التي يختص بها الأمير. إنه أرسى آليات الاستقرار والثبات لتسير الدولة كجهاز واحد منسجم. ثم إنه التفت أيضاً إلى آليات التغيير ذلك أن الحياة لا تبقى على حالها، فوضعها في التقاء الإرادتين: المجلس والأمير، ورسم خطوطاً واضحة لعملية التغيير تلك، وابتعد بها عن التعجيز أو التجميد.

تلك كانتا حالتي الاستقرار والتغيير، وهما حالتان طبيعيتان تمر بهما أي دولة، غير أن حياة أي دولة أيضاً بها من الأمور والأحداث الطارئة التي تستوجب الحسم، أي حالة الضرورة. وقد أعطى الدستور الأمير هذا الحق بأن يتخذ من الإجراءات ما يحفظ كيان البلاد من الشقاق والفتنة. ولقد عاشت الكويت في دوامة من الصراع منذ فترة كان نذيراً بتمزيق الوحدة الوطنية عن طريق إثارة النعرات القبلية والطائفية، الأمر الذي اقتضى اتخاذ إجراء حاسم في هذا الإطار.

لكن إذا كان الدستور يسمح بالتغيير ولديه آليات لذلك، فما تفسير النزول للشارع الذي شهدناه في الأسبوع الماضي؟ هنا يأتي دور الربيع العربي وتأثيره على الكويت ومحاولة التحالف القبلي الديني وبالذات حزب الإخوان المسلمين الاستفادة منه وركوب موجته. وهي محاولة خطيرة لقلب المعادلة التي سارت عليها الكويت ومثلت مصدر استقرارها، وهي عملية خروج على الأسس الدستورية التي استقرت عليها الحياة السياسية في الكويت منذ نصف قرن، وفرض لرأي أقلية تستخدم الأساليب الغوغائية على مجمل الشعب الكويتي.

وهذه المحاولة لن تنجح ولن تنطلي على أحد لأن الشعب الكويتي مدرك لأبعادها ومراميها.

 

Email