دول الربيع العربي والمنظمات المالية العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 11 مارس آذار 2011 ضرب زلزال كبير شرقي اليابان، أعقبته موجة تسونامي ثم إشعاعات نووية خطيرة أرعبت الشعب الياباني وأثارت موجة هلع في العالم كله. خلف الزلزال ضحايا بشرية قدرت بثلاثة وعشرين ألف قتيل وأكثر من ثمانية آلاف مفقود، ومائة ألف مشرد نظرا لكثافة الإشعاعات النووية في المناطق المنكوبة.

وقدرت الخسائر المادية، المباشرة وغير المباشرة، بأكثر من ثلاثمائة مليون دولار آنذاك نشرت مقالات متسرعة في بعض الصحف العربية أكدت على نهاية المعجزة اليابانية ، وعجز حكومة اليابان عن تأمين هذا المبلغ الهائل .

وتوقعت إفلاس الاقتصاد الياباني على الطريقة اليونانية. لكن النتائج الملموسة دحضت تلك التوقعات التي تنم عن جهل بطبيعة الاقتصاد الياباني وبصلابة الإنسان الياباني المتشبث بالسكن على أرض اليابان التي تصنف بأنها خط الزلازل الأول في العالم.

وضعت حكومة اليابان برنامجا لإعادة الإعمار بمعدل خمسين مليار دولار في السنة.وسحبت الكثير من إحتياطيها المالي المودع في مؤسسات مالية عالمية.وبسرعة غير متوقعة استعادت اليابان مكانتها المالية ونموها الاقتصادي خلال عام واحد.

وللتأكيد على أن اليابان تعافت من صدمة الزلزال والاشعاعات النووية استضافت طوكيو مؤخرا ، ولمدة أسبوع الدورة السابعة والستين لمجلسي محافظي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . وفي 12 اكتوبر تشرين الأول 2012 أشارت وسائل الإعلام اللبنانية إلى أن حاكم مصرف لبنان ،الدكتور رياض سلامة ، ترأس الجلسة الإفتتاحية بصفته ممثلا للبنان .

بالمقابل، شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرات هامة وتحديات سلبية مستمرة طوال عامي 2011 و2012 ،ما زالت آثارها واضحة للعيان. وقد وافق صندوق النقد الدولي على تقديم قروض لثلاث دول في الشرق الأوسط خلال العام الماضي .

ويجري الصندوق حاليا مفاوضات مع دولة رابعة لإمدادها في العام الحالي. وضخ أكثر من خمسة مليارات دولار لبناء مدارس، وإصلاح قطاعات رئيسية كالكهرباء ، وإنشاء وتطوير مؤسسات قصيرة ومتوسطة الحجم.

وفي هذا السياق، استمر الصندوق في التشديد على أهمية الإصلاحات البنيوية كشرط أساسي للنمو الشامل. وواصل صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي التزاماتهما حيال الدول ذات الدخل المنخفض. ومنذ اندلاع الأزمة، أجرى الصندوق ترتيبات مالية متنوعة مع تلك الدول .

تمتلك دول الشرق الأوسط موارد مالية ضخمة، لكنها بحاجة إلى التعاون في ما بينها وتبادل الخبرات وصولا إلى حلول عقلانية .فالإقتصادات المتطورة تقوم بأعمال مدروسة وطويلة الأمد لمواجهة التحديات الاقتصادية، وإصلاح القطاع المالي ، وإنعاش النمو، والحفاظ على التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.

بيد أن المخاطر الناجمة عن الأزمة المالية في الولايات المتحدة والمخاوف المتواصلة بشأن أزمة الديون السيادية في أوروبا، تتطلب اتخاذ تدابير جذرية وسريعة لتفادي الانعكاسات السلبية على الإستقرار والنمو على مستوى كل دولة ، وعلى المستوى العالمي. كذلك مشكلة اليورو في دول الاتحاد الأوروبي التي تتطلب حلا جذريا قبل فوات الأوان لكي يستقر سوق الدين السيادي . وعلى دول الإتحاد أن تطبق الإصلاحات البنيوية اللازمة لإنعاش النمو.

وقد تأثر إقتصاد دول الشرق الأوسط كثيرا بالنزاعات الداخلية المستمرة في أكثر من دولة من دول الربيع العربي. مما حد من قدرتها على القيام بإصلاحات إقتصادية أو مالية طوال العامين المنصرمين. وترك آثارا سلبية للغاية على المؤسسات المالية، المحلية منها والدولية، العاملة في الأسواق المالية في دول الربيع العربي.

على هامش ملتقى طوكيو بادر وزير مالية اليابان إلى الإعراب عن تضامن بلاده مع دول الربيع العربي . فقدم مبلغ اثني عشر مليون دولار إلى صندوق خصصه البنك الدولي لمساندة الاقتصادات المتأثرة بانتفاضات الربيع العربي.

وذلك في إطار مساندة اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.وكان البنك الدولي أسس هذا الصندوق بعد ثورات تونس ومصر وليبيا التي أنهت الحكم الاستبدادي فيها .في الوقت نفسه،أجبرت حركات الاحتجاج في المغرب والأردن والجزائر أنظمتها على القيام بإصلاحات سياسية وإقتصادية هامة. وجرى التنويه بما تقوم به المؤسسات الإنمائية، المحلية منها والدولية، التي ركزت هذا العام على تكافؤ الفرص أمام الجنسين كمدخل أساسي للنهوض الإقتصادي .

ختاما، دق ممثلو المؤسسات المالية المجتمعين في طوكيو ناقوس الخطر خوفا من الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها شعوب دول الربيع العربي في الشرق الأوسط . وهي تحتاج إلى تضافر الجهود لرسم سياسة مالية جديدة تعطي الأولوية للنمو المفضي إلى التقدم والإزدهار الذي تعود نتائجه الإيجابية بالنفع العام على شعوب هذه المنطقة.

 

Email