الإيطاليون وسرد القصص

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحياتي من روما، حيث يسرني أن أعلن عن إطلاق النسخة الإيطالية من موقع صحيفة "هافينغتون بوست". لطالما شعرت بولع شديد تجاه هذا البلد الذي يبدو على الخريطة كالحذاء. وبصفتي يونانية الأصل، فإنني أشعر بصلة قرابة تربطني بتلك الأرض المطلة على البحر الأبيض المتوسط، التي تجد فيها دائما من يحاول إطعامك شيئا ما، ولا تجد شيئا يبدأ في موعده المحدد.

لقد كانت آخر مرة زرت فيها إيطاليا في أكتوبر 2011، قبل أن يخلف رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي سلفه سيلفيو برلسكوني، ويستهل عهدا جديدا من التقشف. وبعد مرور عام كامل، لا تزال إيطاليا تعاني من آثار الانهيار الاقتصادي العالمي، إذ يقرب معدل البطالة فيها من 11%، أي ما يزيد على مليوني شخص عاطل عن العمل، وهو الرقم الذي يرتفع الى 35% بين الإيطاليين الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما.

وشأن معظم أنحاء أوروبا، فقد عانت إيطاليا في ظل سياسات تقشف لم تعرقل النمو فحسب، بل أوهنت الروح المعنوية الوطنية. وكتب موقع "إكونومونيتور" يقول: "من المرجح أن يحدث تنفيذ إجراءات تقشفية في إيطاليا تأثيرا سلبيا كبيرا على الاقتصاد، خلال السنوات المقبلة.

إذ يعتمد الاقتصاد الإيطالي، نظرا لافتقاره إلى التنافسية، على تحفيز الطلب المستمر من جانب الحكومة. وبدون ذلك، فإن مشكلة النمو ستزداد سوءا على الأرجح." ويعتقد المحللون أن معدل البطالة سيواصل ارتفاعه خلال السنوات المقبلة، ليصل إلى أكثر من 11,5%، وهو ما سيمثل أعلى معدل بطالة تشهده البلاد منذ ثلاثة عقود.

وفي حين أن موقع "هاف بوست" الإيطالي سيخصص مساحة كبيرة لكل ما لا يجدي نفعا في إيطاليا، فإننا سنسلط الضوء أيضا على ما يجدي نفعا: إبداع الشعب الإيطالي وحيويته وصموده.

وتظهر تلك الصفات في أعمال أصحاب المشاريع الاجتماعية، ومنها "يوكابيتال"، وهو موقع تمويل جماعي يربط الصحافيين المدنيين بالتمويل، و"بلين إنك"، الذي يستخدم قوة السرد لمحو الأمية وتحسين الظروف المعيشية في جميع أنحاء العالم، و"أولتريه فينتور"، التي أسسها مدير الأسهم الخاص السابق لوتشيانو بالبو، والتي، باعتبارها أول شركة مشاريع خيرية في إيطاليا، تخاطب الشباب المعرضين للخطر والبطالة والهجرة، و"مبادرة الأعمال والاستثمارات الإيطالية"، التي تربط الايطاليين بالشركات الناشئة في وادي السليكون ثم تساعدهم على إنشاء شركاتهم الناشئة الخاصة بمجرد عودتهم إلى إيطاليا.

وسيحتفي موقع "هاف بوست" الإيطالي، قبل كل شيء، بالثقافة الإيطالية النابضة بالحياة، بدءا من مطبخها وعروضها الأوبرالية وفنها، ووصولا إلى تقاليدها وتاريخها العريق ومدنها الأسطورية. وسنلقي الضوء على المؤسسات والفعاليات، التي تعكس الروح الإيطالية وتربطنا بماضيها، مثل مهرجان البندقية السينمائي، الذي احتفل لتوه بعامه الثمانين، وترميم مدرج "كولوسيوم"، الأقدم قليلا (والذي من شأننا نحن الإغريق أن نصفه بـ"الإضافة الجديدة").

 كما سنلقي الضوء على الطرق التي يقوم من خلالها الإيطاليون بفصل أنفسهم وإعادة شحنها، بما أن الانفصال عن أجهزتنا يعد من أفضل السبل التي تعيد توصيلنا بأنفسنا، وبحكمتنا. وأنا أحب بشكل خاص تقليدي ال"ريبوزو"، وهي حين تغلق المحلات التجارية والمكاتب أبوابها في فترة ما بعد الظهيرة، والـ"باسيجاتا"، أي نزهة المساء، حين تفسح الضغوط اليومية المجال للهواء الطلق والمحادثة.

ولتصوير هذه التشكيلة الواسعة من التقاليد التي تكسب إيطاليا فرادتها، فإننا سنستخدم كل الأدوات المتاحة لنا لنسرد أهم القصص، وأكثرها تسلية، في زمننا هذا. ولنساعد الإيطاليين كذلك على أن يسردوا قصصهم بأنفسهم.

وبما أن مستخدمي الإنترنت الإيطاليين البالغ عددهم 35,8 مليون مستخدم يشكلون ما يقرب من 59% من السكان، فإننا نأمل أن يساهم موقع "هاف بوست" في توسيع نطاق المحادثة، في وقت يتوقع الإيطاليون من بعضهم البعض ومن جماعاتهم، سواء في العالم الافتراضي أو الواقعي، التعاطف والإبداع والابتكار التي من شأنها أن تفضي إلى الحلول الحقيقية التي تحتاجها البلاد.

وفي زيارة قمت بها إلى إيطاليا عام 2009، حضرت مؤتمرا إعلاميا طلب من جميع المشاركين فيه أن يضعوا زرا كتب عليه "أنا واثق بنفسي". وذلك شعار مناسب، في الوقت الذي نبدأ بتسليط الضوء على ما يجدي نفعا في البلاد، وعلى أولئك الذين يعملون جاهدين لتحسين حياتهم وحياة الآخرين.

 

Email