في مقدمة علامات الاستفهام التي تطرح ذاتها على الشارع العربي مع اقتراب يوم انتخابات الرئاسة الأميركية، ذلك المتعلق بالمفاضلة بين الرئيس الحالي باراك أوباما، ومنافسه الجمهوري ميت رومني، بالنسبة للعرب والمسلمين وقضاياهم وأزماتهم، في الحال والاستقبال.

مَن الأفضل؛ أوباما أم رومني؟ تساؤل بسيط يحتاج إلى جواب مركب، في بلد براغماتي لا تعرف فيه السياسة إلا الأهداف القريبة والاستراتيجيات البعيدة، في إطار من خطوط طول وعرض للأمن القومي الأميركي وخطط لمائة عام على الأقل. على أعتاب نهاية ولايته الأولى، يأتي حساب الحقل منافيا ومجافيا لحساب البيدر.. هل فقد العرب إذن حماسهم لأوباما؟

ربما يكون موقف عرب أميركا في داخل ولايات بعينها، مثل ميتشغان ونيوجيرسي وبنسلفانيا وفلوريدا، دليلا على ذلك. فرغم أن غالبيتهم في انتخابات 2008 صوتت لصالح أوباما، إلا أن هذه النسبة انخفضت اليوم، وإن بقي أوباما المرشح المفضل، وذلك بسبب مواقف وتصريحات منافسه رومني.

الأرقام هنا أكثر دلالة، فحسب أحدث استطلاع للمعهد العربي الأميركي، فإن أوباما يحظى بتأييد 52٪ من العرب الأميركيين، مقابل 28٪ للجمهوري ميت رومني، ما يعني أن هناك 16٪ لم يحسموا أمرهم بعد، وهي نسبة لا بأس بها قادرة على تغيير النتائج لصالح أي من المرشحين، مع التذكير بأنه في 2008 كانت نسبة تأييد عرب أميركا لأوباما 67٪، مقابل 28٪ فقط لمنافسة وقتها جون ماكين.

. ما السبب في ذلك التغير؟ هل لأن أوباما، وفي ظل أزمات أميركية داخلية عسيرة، عجز عن أن يفي بوعوده، لا سيما تجاه حجر الزاوية في المنطقة العربية، أي القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟

أم لأن وعود الحرية والديمقراطية التي تشدق بها لم تزهر ربيعا عربيا، بل شقاقا وفراقا وتدنيا في مستوى الحياة السياسية والاقتصادية لدول الربيع؟ هل كان أوباما سببا في إذكاء روح الفتنة عربيا عبر ترفيع التيارات الإسلامية لمقاعد الحكم؟

لكن على الجانب الآخر؛ ماذا عن ميت رومني؟ هل يمكن أن يضحى صديقا للعرب، داعما لقضاياهم مؤيدا لمطالبهم العادلة والمشروعة؟

حتما أن المتابع لتصريحات رومني منذ الانتخابات التمهيدية، يخلص إلى أنه أبدا لن يكون الخيار الأكثر رشدا أو عقلانية، لا سيما وأنه بدوره يميل إلى تغليب الاتجاهات اليمينية المحافظة في إدارته القادمة، حال قدر له الوصول إلى البيت الأبيض.. هل لهذا كتب "ديفيد روثكوبوف" المحلل السياسي الأميركي، عبر صفحات مجلة "فورين بوليسي" مؤخرا، قائلا "إن عودة البوشيين مع رومني شأن أكيد"؟

يلفت روثكوبوف إلى حفل تنصيب ميت رومني كمرشح جمهوري في تامبا بفلوريدا، ففيه كان النجوم هم كوندوليزا رايس وزيرة خارجية بوش الابن، وكارل روف مستشار الأمن القومي لبوش والطفل المعجزة الذي ضمن له البقاء في البيت الأبيض لولايتين، بجانب مايكل تشيرتوف قيصر الأمن الداخلي.

وجيب بوش حاكم فلوريدا السابق، والأخطر من هؤلاء جميعا "كوفر بلاك" الملقب بـ"بلاك ووتر"، والذي يعمل اليوم مستشارا أول لرومني في الشؤون الاستخباراتية، ويفرض وجهة نظره بشأن مواضيع حساسة مثل التحقيقات التي تستهدف مشبوهين بالإرهاب..

ما الذي تعنيه تلك الأسماء؟ الجواب لا يستطيع أن يبارح مواقف رومني الخارجية المعلنة، لا سيما في ما يتعلق بسوريا وإيران. فرغم معارضته إقامة حظر جوي في سوريا، إلا أنه يميل نحو خيار تسليح المعارضة هناك لإسقاط النظام. أما في ما يختص بالموقف من برنامج إيران النووي، فإنه لم يدارِ أو يوارِ يوما رغبته في المواجهة العلنية، وأغلب الظن أنه لن يمانع ضربة عسكرية إسرائيلية تدعمها واشنطن لاحقا، لبرنامج إيران النووي، ما يدخل المنطقة برمتها في لهيب حرب إقليمية شاملة.

كيف ينظر رومني لمعضلة القضية الفلسطينية؟ يجد المرء شبها كبيرا بين موقفه وموقف بوش الابن، فرومني لا يرى في حل تلك القضية أولوية أميركية، وكل ما يهمه هو أمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري.

يلحظ المرء كذلك في ملفات رومني، أنه يزايد على أوباما مزايدة غير مسبوقة في قضية دعم إسرائيل، بل إنه وجه الكثير من اللوم والتقريع لأوباما، ووعد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهو الأمر الذي لم يجرؤ عليه أي رئيس أميركي حتى الساعة. إشكالية أخرى تتعلق برومني، إذ لا يبدي ارتياحا لتيارات الإسلام السياسي التي وجد بعضها طريقه إلى صفوف الحكم في عدد من الدول العربية.

وهذا بدوره يعني إمكانية دخول تلك الدول في مواجهات أيديولوجية لا تلبث أن تتطور إلى اقتصادية وثقافية، وقد تصل إلى حد القطيعة، خاصة إذا استمر تيار اليمين الأصولي الأميركي، وبدعم من اللوبي المساند لإسرائيل في واشنطن، في دفعه إلى حافة المواجهة، وفي هذا تعقيد للعلاقات بين العرب والأميركيين. هل مفاد ما تقدم أن أوباما يبقى الخيار الأفضل؟

يجب أن نتذكر أن الولاية الثانية لأي رئيس أميركي، تطلق يديه في العديد من الملفات وبقوة، ذلك أنه لا يخشى فقدان ولاية ثالثة. وهنا نتساءل؛ هل سيتكرر سيناريو العرب مع بوش وآل غور في عام 2000 عندما مال العرب إلى الأول خوفا من اختيار الثاني لنائب يهودي (جو ليبرمان)؟

كانت فاتورة العرب مع بوش الابن كارثية، وعليه فمن يضمن ألا يكرر التاريخ ذاته مع أوباما وحروبه السرية التي يمكن أن تصبح علانية هذه المرة؟

أوباما أم رومني؟ الاثنان وجهان لعملة براغماتية سياسية أميركية واحدة.