هامبورغ والأعياد الإسلامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أن يُحل مجلس الأمة الكويتي الأخير، تقدم أحد نوابه الأفاضل الذين يمثلون التحالف الديني القبلي، والذين كانوا وما زالوا يرفعون أصواتهم عالياً بحجة أنهم من المعارضة، تقدم هذا العضو الفاضل باقتراح بمنع بناء الكنائس في الكويت، علماً بأن عددها في البلاد لا يتجاوز أصابع اليدين، وهو عدد لا يستطيع الوفاء بالاحتياجات الروحية إلا للنزر اليسير من المسيحيين الذين يسكنون الكويت، والذين يربو عددهم على المليون من جنسيات شتى، بدءاً بالفلبين وانتهاءً بأميركا.

والكنائس في الكويت ليست بنت اليوم، بل يمتد عمرها إلى قرن من الزمان، حينما أنشأت الإرسالية الأميركية مستشفى وبجانبه كنيسة صغيرة. وظل هذا المستشفى يعمل إلى العام 1967، وهو وإن كان تبشيرياً، إلا إنه لم يفلح في تنصير أحد من الكويتيين، رغم الخدمات الطبية الجليلة التي قدمها، خاصة في فترة ما قبل الدولة الحديثة. وهذا أكبر دليل على أن بناء الكنائس والمعابد الأخرى، لن يؤثر في ديانة المسلمين.

ورغم قلة الكويتيين الذين يدينون بالمسيحية، حيث حصل عدد محدود منهم على الجنسية وفقاً للقانون رقم 15/1959، فإن بعض النواب لم يعجبهم ذلك، فقدم ثلاثة منهم (على رأسهم السيد أحمد السعدون) تعديلاً في مجلس العام 1981، لا يسمح بموجبه بمنح الجنسية لغير المسلم، واشترطوا في ذلك أن يكون قد دخل الإسلام منذ فترة إذا كان من غير أهلها. وعبثاً حاولت الحكومة والمستنيرون من أعضاء ذلك المجلس وقف هذا التعديل، لأنه يدخل تحت باب العنصرية وما شاكله، إلا أن أصواتهم ذهبت أدراج الرياح!

تعالوا بنا نرى دولة علمانية، معظم سكانها من المسيحيين الأقحاح، كيف تُعامل المسلمين، وكلهم من المهاجرين إليها، وبعضهم حصل على جنسيتها؟ المعلومات مستقاة من خبر نشرته صحيفة "الوطن" الكويتية في الثاني من هذا الشهر، بعنوان: "هامبورغ أول مقاطعة ألمانية تعترف بالأعياد الإسلامية". ولنلاحظ العنوان ونتمعن فيه جيداً. إن هامبورغ لا تعترف بالدين الإسلامي وبحرية الاعتقاد به لمن شاء، فهذا منصوص عليه في الدستور الاتحادي الألماني، شأن كل الدول العلمانية، بل هي تعترف بالأعياد الإسلامية، وما يترتب على هذه الأعياد من "إجازات مدفوعة الراتب" لمقاطعة تمثل عصب الاقتصاد الألماني، إذ فيها أكبر موانئها.

يقول الخبر: توصلت الحكومة الإقليمية (حكومة هامبورغ) إلى اتفاق مع الجالية الإسلامية والطائفة العلوية (هكذا نص الخبر)، سيطرح في البرلمان المحلي للتصويت عليه وتمريره، ويقضي "بمنح المسلمين والعلويين عطلة في أعياد الفطر والأضحى وعاشوراء، سواء في المؤسسات الحكومية أو في القطاع الخاص، وإعفاء التلاميذ والطلاب من الذهاب إلى المدارس". ويورد الخبر عدد المسلمين، حيث يبلغون 180 ألفاً، منهم 50 ألفاً من العلويين المنحدرين من أصول تركية. أما إجمالي سكان هامبورغ (المدينة التي هي في نفس الوقت مقاطعة)، فهو يقترب من المليوني نسمة.

وقد اعتبر رئيس جمعية الشورى، دانييل عابدي، الذي تدير جمعيته 31 مسجداً في المدينة، أن هذا الاتفاق يعني أن المسلمين جزء من المجتمع الألماني، في حين قال نائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان المحلي يدعى اندرياس درسيل، إن هذا الاتفاق لا يعني منح الامتيازات للمسلمين، بل هو إقرار بأنهم جزء من المجتمع ولهم الحق، في إطار الدستور والمبادئ الديمقراطية، في التمتع، حالهم حال معتنقي الديانات والطوائف الأخرى، بكل حقوق المواطنة وممارسة الشعائر الدينية".

ولا يتخيل القارئ الكريم الكلفة الاقتصادية لمثل هذا القانون، إذ إننا في معظم أقطارنا العربية والإسلامية لا ننظر إلى الشعائر الدينية وممارستها من منظار اقتصادي، ناهيك عن نظرتنا إليها من منظار حقوق الإنسان. لكن تخيلوا معي مصنعاً في هامبورغ.

حيث المنافسة على أشدها، وحيث السعي نحو الربح هو ما يبقي المشروعات على قيد الحياة، وحيث العمل قوام الحياة الاقتصادية، تخيلوا مصنعاً فيه عمال وفنيون مسلمون وبوذيون وهندوس، فضلاً عن المسحيين، فإن هذا المصنع والحال هذه، مضطر لإعطاء العمال المسلمين والهندوس والبوذيين عطلات مدفوعة الأجر في مناسباتهم الدينية المختلفة، فضلاً عن تمتع هؤلاء بنفس العطلات المدفوعة في المناسبات المسيحية العامة، مثل الكريسماس ورأس السنة الميلادية وغيرها.

إن نموذج هامبورغ في التعامل مع المسألة الدينية، قد يكون دافعاً لنا للتفكير في حل شكاوى الأقليات في الكثير من أقطارنا، التي زادت بفعل المنعطف التاريخي الذي تمر به شعوب منطقتنا.

 

Email