من خلال الشبكة المعلوماتية (الانترنت) ولد الاعلام البديل بثلاث منصات، وهي تويتر وفيسبوك ويوتيوب، وكل واحدة بخاصية وميزة ونقاط قوة تفتقدها الأخريات، وجميعها تكمل بعضها بعضا بشكل لم يحدث عبر تاريخ وسائل الإعلام التقليدية. وبمولد الإعلام البديل انكسر احتكار الإعلام، فأصبح لحد بعيد في يد مستخدمي الانترنت، وجعل كل مستخدم مشروع مؤسسة إعلامية مستقلة ينميها حسب قدراته. ولم يكن للإعلام التقليدي من خيار سوى اللحاق بركب الإعلام البديل واستيعابه أو مواجهة الإفلاس، فانهارت عروش إعلامية بعواصم العالم الغربية كما لم يخطر على بال أحد.

هذا الانعتاق فرح به كل حالم بالكتابة والتصوير الفوتوغرافي ومصوري الأفلام، فكانوا أول المندفعين لاستخدام الإعلام البديل لاستعراض مواهبهم المتباينة بين المتعثرة الكسيحة والمتوسطة والممتازة، وكم كان مفرحا أن نرى كتابا ومصورين جددا لم نسمع بهم سابقا، يحملون الوعد بنضوج في قابل الأيام إن واصلوا مسيرتهم الإعلامية وطوروا مواهبهم.

معوقات بدايات الإعلام البديل

ولكون الإعلام البديل ولد من رحم تقدم تقنية الديجيتال المتطورة الباهرة، فقد ولد في بيئة خارج مشارف سلطة قانون الدول وسيادتها، لذا لم يكن له تشريع مكيف لطبيعته الجديدة. ونتيجة لشيوع استخدام الأسماء المستعارة لمستخدميه وعدم إمكانية معرفة هويات أصحابها، أصبح الإعلام البديل ساحة غاب مفتوحة لكل من هب ودب، بلا ضوابط ولا قانون. ساحة الغاب هذه هيّبت الكثير من رواد الإعلام احتراما لأنفسهم ولمتلقيهم من اقتحامه في بداياته، فجلسوا في منصات الفرجة متلقفين إبداع المبدعين وملتفتين عن ما يعم الساحة من عدم نضج وبذاءات لا حصر لها.

بمرور الأيام وتقدم التقنية أصبح بالإمكان معرفة أصحاب الحسابات الوهمية، وبالتزامن مع هذا كيفت الدول قوانينها لتصل لأشباح الإعلام البديل، عقابيا إن ارتكبوا جنحا أو جرائم تمس الأفراد أو المجتمعات. هذا ما فتح الباب لاحقا على اتساعه للجميع دون استثناء، لاكتشاف إمكانات الإعلام البديل وآفاقه الرحبة في مهرجان يومي حاشد، متجدد بكل المفاجآت التي لا تخطر على بال أكثر الناس سعة وخيالا!

التويتر

تـَوْتـَرَ، يُتـَوْتِرُ، تـَوْتـَرَةً، ما يميزه قصر جمله أو تغريداته بحد أقصى 140 من المسافات والحروف لكل تغريدة، ما يضطر مستخدميه للاختصار، ولكن في المقابل لا حدود عليا لعدد متابعي التغريدات، لهذا فهو أسرع الوسائل الثلاث لنشر الأخبار، وهذه ميزته الكبرى.

الإعلاميون الجدد المستندون على التويتر شرعية لوجودهم إعلاميا، أصابهم الغرور وأصبحوا يفاخرون بأعداد متابعيهم، وأصبح للمتابعين سوق بيع وشراء للمتابعين يعلمها الجميع. وقد أنتج التويتر كتاب مقالات في الصحف أو المنشورات على شبكة المعلومات، قوام مقالاتهم تغريداتهم المتصلة بموضوع ما، والتي يرصونها رصا ويخرجونها مقالات "نسكافيه"، تخلو من أصول كتابة المقال الذي يتطلب مقدمة وموضوعا وخلاصة.

وقد تولد لدى هؤلاء الكتاب الوهم بأنهم أصبحوا كتابا، فنراهم يخوضون في شؤون لا يكادون يفكون خطا فيها، من شيوعية واشتراكية ليبرالية وعلمانية وصوفية وسلفية، وكل ما لا يعلمون؛ مفتين بأنها شر مستطير لا تستحق من المؤمنين بالله إلا اللعن والمحاذرة، دون وعي بأن جميعها نتاج فكر حضاري له ظروفه التي أفرزته ضمن سياق التاريخ الإنساني، ويجب على الكتاب والمثقفين الإلمام بأطراف علومها! وضعف تكوينهم الثقافي هذا يتبين أكثر من عدم تمييزهم بين المفاهيم والأفكار وبين الأشخاص المرددين لتلك المفاهيم والأفكار، وكذلك بالنسبة للدين وللمعتقدين به، فيحيلون الخلاف الفكري لخلاف شخصي ونفي للآخر من الوطن والمواطنة والمعتقد، على الرغم من أن الدين بكل تلاوين فهمنا له لله، وأن الوطن لجميع مواطنيه، والخلاف مهما كان هو خلاف فهم وإدراك. رحم الله أبا الطيب المتنبي طيب الله ثراه:

وكم من عـائب قولا صحيحا وآفتــه فـي الفهم الســـقيم

                          ولكــن تأخـذ الأفهام منــه على قـدر المعـارف والعلــوم

الفيسبوك

فـَسْبَكَ، يُفـَسْبِكُ، فَسْبَكَةً وهو من أفضل منصات الحوار والنقاش، لمساحات الكتابة التي يتيح وتصل 5000 مسافة وحرف، وهو ما يصل لمساحة مقالة رأي في الصحافة المطبوعة، وطبيعته تتيح معرفة مجرى الحوار بين المتحاورين من بدايته لنهايته، كما يمكن وضع الصور والأفلام مع سقف تواصل مع 5000 صديق.

ومن خلاله تبين لنا بعض من كانوا يدّعون ويدعون للحوار السياسي، أنهم لا يطيقونه إلا إذا كان صدى لأقوالهم! كما تبين من خلال الفيسبوك عجم الشعر الحداثي من خلال حوارات الطرشان التي تدار حوله، ورأينا خروج دهاقنة الشعر "الحُـدَاثِـيْ" بتبريرهم إعجامه بالصوفية، لأن معانيه لا تتجلى لأمثالنا الفقراء لنفحات الفتح، والصوفية من كله براء!!

اليوتيوب

يَوْتَبَ، يُوَيْتِبٌ، يَوْتـَبَةً، أما اليوتيوب فقد جمع المجد من أطرافه؛ مجد التويتر والفيسبوك، مع حرية التواصل مع الجميع دون سقف عدد، إضافة للصوت والصورة، فامتلأ بكثير من الأفلام التعليمية والتاريخية والحديثة والخطب والمقابلات، مع كثير من الأعلام التي لا يمكن الحصول عليها من أي مكتبة من المكتبات بنفس السهولة واليسر لكل من له خط إنترنت! ومن خلاله استبان الناس على كثير من تجار الخزعبلات ومروجيها، فكان له أعظم الأثر في التوعية.

لا شك أن الإعلام التقليدي له دور جديد يجب أن يتلمسه كمرشد وقدوة بكلاسيكيته، للمنفلت مما يعتور الإعلام البديل من حيث متطلبات أصول وأسس التعبير، متجاوزا ما سبق لإداراته من حال قولبة وتخشب وسقم بعض من جوانبه، ولا شك عندي أن الإعلام البديل به نسمات هواء بها الكثير من الإنعاش للإعلام التقليدي، وبتزاوج إيجابيات الإعلاميين لا شك من بزوغ فجر إعلام جديد ذي فاعلية ومصداقية أكبر. وعلى الرغم من سهولة منصات الإعلام البديل الثلاث، فإنه يمثل تحديا لجميع الإعلاميين الجدد، حيث لم نر بعد الذي يستطيع إثبات قدمه بكفاءة على منصاته الثلاث، فمتى نرى أولهم؟