إسرائيل بين إزالة الأقصى وزوال الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مدى الأشهر الأخيرة، وبصورة خاصة طوال شهر رمضان، لم تتوقف إسرائيل عن أعمال الحفر والتنقيب التي تقوم بها تحت المسجد الأقصى، بهدف لا يخفى عن أعين العالم، ويتمثل في البحث عن أساسات هيكل سليمان المزعوم والعمل على إزالة الأقصى من الوجود.

 وإذا كانت تلك الحفريات تؤلم مشاعر المسلمين في الشهر الفضيل، فإنها بالقدر ذاته تشعل أوار معركة لا تستطيع إسرائيل مواجهتها، من خلال تعميق كراهية مليار ونصف مليار مسلم حول العالم، حال إقدامها على المساس بالأقصى. أين يقع المسجد، أي مسجد بوجه عام، في القراءات اليمينية الإسرائيلية المتطرفة؟ السؤال المتقدم طرح بشكل علني على عتاة التطرف من حاخامات اليمين الإسرائيلي..

كيف جاءت الإجابة؟ باختصار غير مخل؛ تتمثل في الآتي: "ليس للمسجد الإسلامي قداسة، إذ تنبع القداسة في هذا العالم من الرب القدوس تبارك اسمه، الذي يفيض بفضله الكبير من قدسيته على العالم، وقد اختار الرب جبل الهيكل (الحرم القدسي) لمركز القداسة في العالم".. هل يفهم الآن لماذا تمضي أعمال إزالة الأقصى على قدم وساق؟

لا تكتفي الرؤية العنصرية بذلك، إنما تذهب أيضاً إلى أنه "بالإضافة إلى ذلك يعتبر المسجد مكانا منحرفا، وذلك لأن الإسلام يوصف بأنه ديانة مستحدثة، وهو مكان يمثل خروجا على كلمات الرب، فلا يمكن أن يكون مقدسا للرب، ناهيك عن الحقيقة الأساسية التي تفيد بأن المساجد الإسلامية، خاصة تلك الموجودة في إسرائيل، قد أصبحت مركزا روحيا لمحاربة دين إسرائيل وبني إسرائيل، ومركزا لإخفاء الأسلحة".

هل هناك في المسيحية ما يدعم رؤية اليمين المتطرف في إسرائيل لجهة إزالة الأقصى وبناء الهيكل؟ عرفت إسرائيل في تاريخها القديم ثلاثة هياكل:

ـ الهيكل الأول؛ هيكل سليمان، وقد بني عام 1004 قبل الميلاد وهدم نحو 587 ق.م على يد نبوخذ نصر ملك بابل.

ـ الهيكل الثاني؛ هيكل زوروبابل، وبني عام 150 قبل الميلاد ودمره القائد الروماني أنطيوخوس الرابع.

ـ الهيكل الثالث؛ ويعرف بهيكل هيرودس، وبدأ العمل فيه عام 19 قبل الميلاد واستمر حتى عام 64 ميلادية، ودمره القائد الروماني تيطس سنة 70 ميلادية.

وعودة إلى السؤال المتقدم، فالمسيحية تنكر قيام هيكل جديد لليهود إلى الأبد، هذا ما يقوله السيد المسيح ذاته "إنه لن يترك ها هنا حجر على حجر إلا وينقض"، الأمر الذي يعني عند كافة الرواة والمفسرين المسيحيين الثقات للأناجيل، أن ما من سند لاهوتي أو آبائي لفكرة قيام هيكل جديد، سواء في مكان الأقصى الحالي أو في أي مكان مغاير.

هل تمضي إسرائيل في طريق الزوال بإصرارها لا على إزالة الأقصى فقط، بل وكافة المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين؟

بعيداً عن روح اللاسامية نتحدث، فلا عداوة مع اليهودية كرسالة سماوية، إنما الخصام الفكري مع التفسيرات المتطرفة والرؤى العنصرية لأتباعها، أو لبعضهم صاحب الكلمة العليا الآن داخل إسرائيل، يمكننا القول إن إسرائيل تمضي في طريق مجهول سوف يكلفها مستقبلها.

منذ بضعة أيام كتبت نيويورك تايمز الأميركية مقالا بعنوان "أصول إسرائيل كدولة ديمقراطية على وشك الضياع"، وفيه تشير إلى الجدل القائم حول تجنيد طلاب المدارس الدينية، ما يعني أن الإسرائيليين ما زالوا يعانون من خلاف حاد حول مستقبل الديمقراطية بعد ستة عقود من تأسيس دولتهم.

قبل ذلك بقليل، كان قاضي المحكمة الإسرائيلية العليا "دوربت بنش" يشارك في تقرير نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" حول التدهور الأخلاقي والاجتماعي في إسرائيل اليوم، فيقول "نحن نعيش تجربة الهزائم وصراع الطبقات الاجتماعية والفقر، وفقدان الثقة العامة بكل أجزاء الدولة".

الكارثة الأشد هولا بالنسبة للدولة العبرية، باتت تتمثل في أن إسرائيل أضحت عبئا على أميركا، ففي منتصف يناير الماضي أظهر استطلاع للرأي جرى في أوساط بعض الجامعات الأميركية، أن ثلث طلاب هذه الجامعات يعتقدون بأن إسرائيل تشكل عبئا على الولايات المتحدة. ليس هذا فقط، بل إن صحيفة معاريف الإسرائيلية أكدت أن الاستطلاع عينه أشار إلى أن ربع الطلاب الأميركيين يرون في إسرائيل دولة أبرتهايد، أي تمييز عنصري حديث.

هل لهذا كانت معاريف أيضا، وفي افتتاحيتها نهار الأول من يوليو الماضي، تقر بأننا "خسرنا في كل العوالم". ربما يكون الحديث الآن تحديدا عن إزالة الأقصى كأقصر طريق لتجنب الصراعات الداخلية الإسرائيلية، هو بعينه حديث النهايات التي تهدد الدولة الإسرائيلية مرة وإلى الأبد، لا سيما في ظل ما يجري حولها من تطورات على الأرض لا تصب أبداً في صالحها، لا في الحال ولا في الاستقبال.

هدم الأقصى أو السعي إليه بصورة جدية، سيقود ولا شك الشعوب العربية والإسلامية المجاورة لشن حرب شاملة على إسرائيل. وربما كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد التفتت في دراسة أجرتها بتاريخ 12/2/2009 إلى تلك الإشكالية المستقبلية، وخلصت إلى أنه "إذا استمرت إسرائيل مصرة على اتباع سياسات شن الحروب، فإنها ستمحى عن الوجود خلال مدة 20 عاما"!

هل تسعى إسرائيل بذلك إلى حتفها بيديها؟

 

Email