مع اقتراب السادس من نوفمبر المقبل، تقترب الولايات المتحدة الأميركية من اختيار رئيسها الجديد، سواء بإعادة انتخاب الرئيس الحالي باراك أوباما، أو بتغيير المسار لجهة الجمهوري ميت رومني. في هذه الأثناء يشتد وطيس الحملة الانتخابية الرئاسية، ويضحى السعي لاجتذاب أصوات الأقليات في مختلف الولايات الشغل الشاغل لكلا المرشحين.
على أن المثير في السيرة والمسيرة الأميركية، ديمغرافيا على الأقل، هو نقطة التحول التاريخية التي تعيشها أميركا اليوم عبر تركيبتها السكانية، إذ ازدادت نسبة الأقليات العرقية لتصل إلى 36.6%، أي أكثر من 114 مليون نسمة من مجموع السكان الذي يناهز حوالي 300 مليون، حسب مكتب الإحصاء في 2010.
ويشكل البيض الأميركيون نحو 72%، في حين أن الغالبية العظمى بين الأقلية تنتمي إلى الأصول الإسبانية، وهي قوة مشهود لها وتبلغ نحو 15% من سكان أميركا، فيما يشكل الأميركيون من أصول إفريقية "السود" نحو 13 % من السكان.
هل يعن لنا أن نتساءل ماذا عن مسلمي أميركا؟
الواقع أن هناك عدة دراسات تتناول مسألة التعداد، ومن أحدثها تلك التي قامت عليها الخبيرة في حقوق الإنسان "اشلي مور"، وجاءت تحت عنوان "الأقلية المسلمة الأميركية: النضال من أجل حقوق الإنسان الجديدة"، وقد صدرت العام الماضي وتشير إلى أن تعداد سكان أميركا من المسلمين يبلغ نحو ستة ملايين. ماذا عن التوزيع العرقي لهذه الملايين الستة؟
هناك أرقام تقريبية في هذا الإطار، فهم ينتمون إلى 80 جنسية بخلفيات ثقافية مختلفة، أهمها جنوب آسيا 33%، العرب 20%، الأميركيون من أصل إفريقي 30%، أما الأعراق الأخرى من المسلمين الأميركيين فتعود إلى أصول إفريقية وبوسنية أوروبية وإيرانية.
هل هناك رابط يجمع تلك الأجناس في بوتقة واحدة أم أنهم، للأسف، شأنهم الانقسام لا سيما تجاه العديد من القضايا المصيرية؟
أفضل جواب دون شك، نجده عند أول سيناتور مسلم في الكونغرس الأميركي "كيث أليسون"، الذي لخص حال مسلمي أميركا بقوله "إن تشتتهم هو سر ضعفهم". فعبر عدة لقاءات إعلامية في نهاية يوليو، قال أليسون: "للأسف المسلمون مشتتون، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، وهذا ما يؤدي بالتالي إلى ضعفهم، وأنا دائما أدعو المسلمين إلى نبذ التشتت والفرقة التي يعانون منها"..
هل يستدعي هذا التوصيف حاجة ما بعينها وعلى سبيل العجلة؟ حتما هناك حاجة إلى التوحد تحت كيان مؤسسي واحد، يتحدث باسمهم ويطرحون من خلاله رؤيتهم للأحداث، ما يعني أن يضحى وجودهم بلغة علم الاقتصاد قيمة مضافة، وأن لا يكونوا قيمة زائدة (de trop).
هل هناك من تنبه لثقل الحضور الإسلامي وما لمسلمي أميركا من أهمية عبر الأشهر الماضية؟ جرى ذلك بالفعل، ففي أوائل إبريل الماضي، خرجت علينا شبكة الأخبار الأميركية CNN بدراسة أعدها الباحث الأميركي "فريد سنزاي" من "معهد السياسة الاجتماعية والتفهم"، وهو مؤسسة بحثية مركزها واشنطن وتركز على قضايا المسلمين، مفادها أن الصوت الإسلامي الأميركي قد يحسم هوية رئيس أميركا المقبل، لا سيما في ضوء حالة الانقسام الواضحة حتى الساعة في اتجاهات التصويت..
هل من تفصيلات؟ يؤكد سنزاي أن قوائم الناخبين في الولايات المتحدة تضم 1.2 مليون ناخب مسلم، وهؤلاء يمكنهم بكل تأكيد ترجيح كفة أوباما أو رومني، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن السباق الرئاسي عام 2000 بين المرشح الجمهوري جورج بوش الابن ومنافسه الديمقراطي آل غور، حسم بفارق 537 صوتا فقط لصالح الأول.
والشاهد أن رقم المسجلين على قوائم الناخبين الأميركيين من مسلمي أميركا، في حد ذاته مثير للسخط. ففي بلد ما زال يمثل قبلة العالم، سياسيا على الأقل، يضحى إغفال تسجيل نحو خمسة ملايين مسلم لأسمائهم في سجلات الناخبين الفعليين، جريمة أدبية لا تغتفر، وخطيئة مميتة بلغة علم اللاهوت الأدبي.
لمن صوت مسلمو أميركا في آخر انتخابات رئاسية أميركية؟ وما هي اتجاهاتهم الانتخابية في نوفمبر المقبل؟
معروف أنهم في العام 2000 مضوا عن بكرة أبيهم للتصويت للمرشح الجمهوري جورج بوش الابن، وليتهم لم يفعلوا، فقد تملكهم الخوف من ترشيح آل غور لنائب هو السيناتور "جوزيف ليبرمان" اليهودي الديانة، غير أن الفترة الرئاسية الأولى لبوش وغزوه لأفغانستان والعراق، جعلت الاتجاهات التصويتية تتغير لتصب في صالح الديمقراطي جون كيري، الذي أخلفه الحظ وأوفى لغريمه بوش.
وفي 2008 صوتت غالبية مسلمي أميركا لصالح المرشح الشاب باراك أوباما، والغالب أن هذا الاتجاه سيمضي قدما هذه المرة، خاصة وأن مواقف منافسه الجمهوري ميت رومني غير صديقة ولا مبشرة، ولا تصب في صالح القضايا العربية والإسلامية، وارتماؤه في أحضان إسرائيل ومزايدته على مواقف أوباما تجاهها واضحة لا تخطئها العين.
لماذا نجد اللوبي اليهودي في أميركا فاعلا وناجعا بشكل مغاير للوجود العربي والإسلامي فيها؟ ربما لأن الأول لديه من الرجال والمرجعيات والخلفية العلمية البحثية ووحدة الهدف والروح، ما يمكنه من الوصول إلى عقول وقلوب الأميركيين، في حين يبقى الثاني متفرقا شيعاً ومذاهب وعرقيات، لتأتي المحصلة سلبية بالتأكيد. هل مسلمو أميركا أمام استحقاقات فرصة تاريخية بالفعل؟ ذلك كذلك، وليتهم يفقهون.