انتعاش أميركا و«الصفقة الأساسية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليست المسألة الجوهرية بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، هي فحسب من الذي يعتقد معظم الناخبين الأميركيين أن تصوره للأمور هو الصحيح، أي زعم المرشح الجمهوري ميت رومني أن الاقتصاد في حالة جمود، وأن سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما لم تكلل بالنجاح، أم زعم أوباما أن الاقتصاد يجري إصلاحه بخطى وئيدة وأن المنهاج الذي يتبعه في ذلك يحدث تأثيره.

لو أن ذلك هو كل ما هناك، فإن التقرير الصادر مؤخرا عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي، والذي يوضح أن الاقتصاد الأميركي لم يضف في أغسطس الماضي إلا 96 ألف وظيفة فقط، أي أقل مما تمس الحاجة إليه لمجرد مسايرة النمو في أعداد العاملين، سيبدو أنه يؤيد زعم رومني.

ولكن الجمهوريين في الكونغرس لم يتيحوا فرصة لأوباما قط لتجريب منهاجه، حيث اعترضوا سبيل كل شيء حاول القيام به، بما في ذلك مشروع قانونه المقترح الخاص بالوظائف، والذي كان من شأنه لو تم إقراره أن يساعد حكومات الولايات والحكومات المحلية، على أن تحل عناصر جديدة محل المدرسين ورجال الشرطة والاختصاصيين الاجتماعيين ورجال مكافحة الحرائق الكثيرين، الذين اضطرت لفصلهم من أعمالهم خلال السنوات الماضية.

المسألة الأكثر عمقا، هي ما الذي ينبغي القيام به ابتداء من يناير المقبل لكي يدفع قدما انتعاشا لا يزال بمعايير الجميع هزيلا؟ وفي حقيقة الأمر، فإنه حتى قانون الوظائف لن يكون كافيا.

قدم رومني خلال المؤتمر الوطني الجمهوري، الذي عقد مؤخرا في تامبا بولاية فلوريدا، مجموعة كان يمكن التكهن بها من الطروحات الجمهورية المتكررة، ومنها تخفيض الضرائب على الشركات والأغنياء، وخفض الإنفاق الحكومي (وبصفة أساسية على الشريحة الأدنى من الطبقة المتوسطة والفقراء)، وإلغاء القيود المفروضة على أنشطة الأعمال. إنه الهراء نفسه المتعلق بجانب العرض من الاقتصاد، الذي أودى بالاقتصاد الأميركي إلى هوة المتاعب في المقام الأول.

لن تقوم الشركات بتشغيل مزيد من العاملين لمجرد أن فاتورة ضرائبها أصبحت أقل، وأنها تنفق مبالغ أقل لمواجهة القيود المفروضة عليها. وفي حالة عدم ملاحظتك لذلك، فإنني أود لفت نظرك إلى أن أرباح الشركات الأميركية تتوالد، بل إن معظم الشركات لا تعرف ما تقوم به لاستخدام الأرباح التي تراكمها بالفعل. وليس من قبيل الصدف أن معظم هذه الأرباح، يجيء من إحلال برامج الكمبيوتر أو التعهد محل الوظائف.

وفي غضون ذلك، فإن الأغنياء لا يوجدون الوظائف، ولن يكون من شأن إعطائهم تخفيضات ضريبية إضافية أن يؤدي إلى تخفيض البطالة. والأغنياء في أميركا يحصلون بالفعل على نصيب أكبر من الدخل الأميركي، مقارنة بما كانوا يحصلون عليه في غضون 80 عاما، وهم يستخدمون جانبا كبيرا من هذا النصيب في المضاربة بأسواق الأسهم، وكل ما فعله ذلك هو دفع أسعار الأسهم إلى أعلى.

والطريق إلى إعادة الوظائف يمر بجعل المستهلكين الأميركيين ينفقون من جديد، إذ يشكل الإنفاق الاستهلاكي 70٪ من النشاط الاقتصادي في أميركا، ومعظمه يجيء من الطبقة المتوسطة ومن أولئك الذين يطمحون إلى اللحاق بهذه الطبقة، وهؤلاء هم الذين يوجدون الوظائف حقا.

ولكن ها هي المشكلة؛ إن المستهلكين من أبناء الطبقة المتوسطة لن ينفقوا وليس بمقدورهم الإنفاق، لأن مدخراتهم قد استنفدت، ومنازلهم يعادل ثمنها شريحة محدودة مما كانت عليه قبل 5 سنوات، وأجورهم تنخفض، والقلق يستبد بهم حول إمكانية الحفاظ على وظائفهم، ولم يعد بمقدورهم الاقتراض بضمان منازلهم لأن فقاعة الإسكان قد انفجرت، الأمر الذي يعني أنه لم يعد في وسعهم التظاهر بأنهم في وضع مالي أفضل مما هم عليه بالفعل. هذا هو في حقيقة الأمر جوهر الورطة الاقتصادية كما تعيشها أميركا.

لقد اقترح أوباما خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي الذي عقد مؤخرا في مدينة تشارلوت، طريقة لتصحيح ذلك، أو على الأقل للحيلولة دون المزيد من تردي الأوضاع، وهي زيادة الضرائب المفروضة على الأغنياء، بدلا من تخفيض الغرامة التي يعتمد عليها أبناء الطبقة الوسطى والفقراء (مثل ميدكير، وميدكيد)، وإعطاء حوافز ضريبة للشركات التي توجد وظائف داخل الولايات المتحدة وتستثمر في ميدان التعليم.

هذه بداية، لكن أبناء الطبقة المتوسطة والفقراء في أميركا يحتاجون إلى المزيد، وهم بحاجة إلى أن يتمكنوا من إعادة تمويل رهوناتهم بمعدلات الفائدة المنخفضة السائدة اليوم، وإلى "الائتمان الضريبي من الدخل المكتسب"، وهو دعم للأجر يقدم للوظائف ذات الأجور المحدودة، وهم يحتاجون إلى حد أدنى من الأجور أكثر ارتفاعا، تتم مواءمته تلقائيا مع نسبة التضخم.

وقد قال أوباما في قبوله ترشيح حزبه له لخوض السباق الرئاسي، إن "الصفقة الأساسية" التي كانت تكافئ في وقت من الأوقات العمل الجاد وتعطي للجميع نصيبا عادلا، قد انهارت.

وهو على حق في ما ذهب إليه، واقتصاد الولايات المتحدة لن يعود إلى حالته الطبيعية، إلا بعد أن يعاد تشكل تلك الصفقة الأساسية، وإذا حصل أوباما على فترة رئاسة ثانية فإن إعادة تشكيل تلك الصفقة والحصول على ما يكفي من الأصوات في الكونغرس للقيام بذلك، سيكون التحدي الرئيسي الذي يفرض نفسه عليه وعلى أميركا.

 

Email