العربية قبل كل شيء

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر اللغة العربية بلا شك من أعظم اللغات السامية إن لم تكن أعظمها على الإطلاق، إذ يؤكد المتخصصون في علم اللغات أن خصائص اللغة العربية وقابليتها الحيوية ومرونة تعبيراتها وسعتها وما آلت إليه من مميزات من حيث الاشتقاق الصرفي والإيجاز والخصائص الصوتية وإمكانية تعريب الألفاظ الواردة تجعل اختيارها كلغة للقرآن الكريم هو الخيار الصحيح والمنطقي.

ومن هذه النقطة تحديداً أجد نفسي متعصباً بشدة للغة العربية، فأتضايق كثيراً عندما أصادف مواطنين أو أشخاصاً من جنسيات عربية يتحدثون فيما بينهم بلغات أخرى مثل الفارسية والإنجليزية والفرنسية، خاصة عندما أكتشف أنهم يتقنون اللغة العربية ولكنهم لا يحبذون التحدث بها إما كنوع من البرستيج أو كنوع من الاعتزاز بلغتهم الأم التي تعلموها من آبائهم.

قد يعتبر البعض إصراري وتركيزي على ضرورة التحدث باللغة العربية واللهجات المحلية العربية على أنه غير قابل للتطبيق في ظل هذه المتغيرات المحيطة بنا والغزو الثقافي من كل حدب وصوب، وربما تكون مطالبتي بذلك غير منطقية بل من الممكن اعتبارها عنصرية على اعتبار أن العديد ممن يحملون الجنسيات الخليجية والعربية ليسوا من أصول عربية فأكون بذلك ممن يميزون الآخرين حسب أصولهم وأعراقهم المختلفة.

إن الانتماء الصحيح لأي مجتمع يعني أن يكون الفرد جزءاً لا يتجزأ من المنظومة التي ينتمي لها سواء أكان ذلك الانتماء للغة أم الوطن أم الدين، وبالتالي لا يمكن لأي مواطن في أي دولة أن يكون لديه شعور بالانتماء إن كان غير قادر على التحدث بلغة بلده والاعتزاز بها، لذلك يشعر الأشخاص الذين يعيشون في دولة لا يستطيعون التحدث فيها بلغة أهلها بعدم الانتماء.

وبالتالي تجدهم يعيشون معزولين عن الآخرين ولا يختلطون بهم إلا على نطاق ضيق ومحدود، ولهذا فقد سنت العديد من الدول المتقدمة القوانين التي جعلت من الإلمام بلغة الدولة قراءةً وكتابةً ومحادثةً شرطاً أساسياً للحصول على الجنسية، ولم تلتفت مطلقاً إلى الدعوات المختلفة لتجاهل هذا الشرط لاكتساب الجنسية بل وجدت أن هذا الموضوع يعزز الانتماء والولاء للدولة أكثر من أي أشياء أخرى.

ويرى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن اللغة العربية هي أداة رئيسية لتعزيز هويتنا الوطنية لدى أجيالنا القادمة لأنها المعبرة عن قيمنا وثقافتنا وتميزنا التاريخي، وقال سموه "لغتنا العربية هي لغة حية غنية نابضة بالحياة بقيت محافظة على أصالتها لأكثر من ألفي عام وتتميز بقدرتها على مواكبة الحاضر والمستقبل، والمساهمة في الحفاظ على اللغة العربية هي قيمة إسلامية وفريضة وطنية وترسيخ لهويتنا وجذورنا التاريخية".

لذلك تعتبر اللغة جزءاً من الهوية الوطنية التي لا يمكن التفريط به أو الاستغناء عنه مهما كانت الأسباب، وفي إطار هذا السياق كتب جلبير كونت عضو الأكاديمية الفرنسية في صحيفة لوموند الشهيرة مقالاً بعنوان: "اللغة هي الوطنية" قال فيه: "إن اللغة هي الهوية الوطنية، إنها الوطن الحي المتدفق الذي يسكن قلب كل واحد منا".

ولهذا فقد حرصت القيادة الحكيمة في دولة الإمارات على إطلاق عدد من المبادرات في الفترة الأخيرة تتعلق باللغة العربية كان آخرها ميثاق اللغة العربية، ثم تم تشكيل المجلس الاستشاري للغة العربية الذي ستكون أهم أولوياته تعزيز الهوية الوطنية ونشر اللغة العربية في دولة الإمارات بطرق محببة ومبتكرة، ووفق أفضل الممارسات المطبقة في هذا المجال.

إن أضعف الإيمان بالنسبة لنا في دولة الإمارات أن نتحدث بلهجتنا المحلية المليئة بالكثير من المفردات العربية الفصيحة، فاستخدام اللهجة في التواصل الاجتماعي فيما بيننا وحياتنا اليومية أفضل بكثير من الحديث بلغات أجنبية أخرى صرنا نقحمها إقحاماً للاستعراض أمام الآخرين من باب الوجاهة الاجتماعية والتطور وغيرها من الأشياء السخيفة التي لا تقدم ولا تؤخر، فاللغة العربية ولهجتنا المحلية ستبقى جزءاً من الهوية والانتماء التي لا تقبل القسمة على اثنين.

Email