أميركا ومنصب نائب الرئيس

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظرا للطريقة التي اندفع بها ميت رومني، أثناء تقديمه لبول رايان باعتباره مرشحه لمنصب نائب الرئيس الأميركي، فقد تعتقدون أنه لم يعثر على نائبه فحسب، ولكن على توءمه الروحي أيضا. فما الذي رآه رومني في رايان على وجه الدقة وجعله يدرك أنه الرجل المنشود؟

لقد أحب رومني رايان لـ"شخصيته القيادية"، و"قيمه"، و"صموده" و"قيمه الراسخة" على حد تعبيره. ولكن بعد ذلك، وبعد أن تم اختيار رايان مباشرة، سارعت حملة رومني إلى إرغامه على التخلي عن تلك الصفات جميعها. وبعبارة أخرى، فإنك تقع في حب ذلك الشخص المميز لاستقلاله وروحه المتوقدة، ثم بعد شهر العسل مباشرة، تحاول تحويله إلى ممسحة.

ما هو ذلك الشيء في منصب نائب الرئيس الذي يحط من شأن أي مرشح له؟ قال جون نانس غارنر، وهو أول نائب للرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت، في تعبير يتمتع بشهرة مدوية، إن منصب نائب الرئيس لم يكن يستحق "دلوا من القاذورات"، ولكن عملية الحط من الشأن تحدث قبل تولي المنصب بوقت طويل. فإلى ذلك الحين، يكون نائب الرئيس المنتخب قد تحول بالفعل إلى مجرد قشرة للرجل الذي أدت قيادته وطموحه وثقته إلى اختياره في المقام الأول.

وفي حالة رومني ورايان، لم يكن تحول ما بعد الزفاف أقل دراماتيكية من فترة التحضير له. ولكن مباشرة بعد إشهار العقد أمام أسرتي الزوجين وبعض رواد المسيرات في نورفولك، سارعت حملة رومني إلى تقويض كل الصفات التي صرح رومني بأنه أحبها في رايان.

الصمود؟ في حقيقة الأمر، فإن أول ما كان مطلوبا من رايان هو أن ينبذ بشدة الميزانية التي أوصلته إلى مستوى التفكير في ترشيحه لمنصب نائب الرئيس في المقام الأول. وكانت إحدى أولى مقابلات رايان مع بريت هيوم من "فوكس نيوز"، الذي ضغط على رايان، وذلك يحسب له، بحقيقة أن الـ716 مليار دولار التي زعمت حملة رومني أن قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة اقتطعها من برنامج "ميديكير" تشبه إلى حد كبير المقترحات المتضمنة في ميزانية رايان الأولى.

وكان رد رايان: "الرئيس أوباما هو وحده الذي ينهب 716 مليار دولار من برنامج (ميديكير). فقد اقتطع هو 716 مليار دولار من برنامج (ميديكير) لدفع ثمن (أوباما كير)".

ولدى تعرضه لمزيد من الضغط من جانب هيوم، سارع الرجل الذي اختير لـ"مبادئه الراسخة"، و"قيمه"، وشخصيته القيادية إلى رفع الراية البيضاء، قائلا: "لقد انضممت إلى لائحة مرشحي رومني".

وإنصافا للثنائي حديث الارتباط، فإن هذا لا يشكل استثناء من القاعدة. ففي عام 1996، احتاج بوب دول، وهو المرشح الجمهوري الممل للرئاسة الأميركية والذي حظي بالموافقة المؤسسية آنذاك، إلى بعض الإثارة السياسية (هل يبدو ذلك مألوفا؟). وأراد نائبا من شأنه أن يظهر، حسب ما كتبته صحيفة "نيويورك تايمز" حينها، أن "الحزب الجمهوري أكثر شمولا واعتدالا مما يعرف عنه".

ولذا فقد كان جاك كيمب، الذي كان قد تحدث في صالح التحرك لأنصاف الأقليات وضد حظر الخدمات الاجتماعية على المهاجرين غير الشرعيين، مطابقا للمواصفات. وبعد اختياره مباشرة، راح "يعيد تموضعه في محاولة لطمس خلافاته مع دول بشأن هاتين المسألتين".

وقال كيمب حينها: "إنكم تشهدون تحولا. وسأكون أحمق لو وضعت قدمي في موضع لا يمكنني من استيعاب التحولات". ولكن في هذه الحالة، تتحول الفراشة إلى يرقة من جديد. وربما كانت طريقة الحساب السياسية في عام 1996 مختلفة حيث كان اليميني يبحث عن المعتدل وليس العكس - ولكن تبقى العملية هي نفسها.

وبعد مرور أربع سنوات، كان الروتين هو نفسه، وهذه المرة على الجانب الديمقراطي من الممر، إذ اضطر جو ليبرمان إلى التراجع عن دعمه لقسائم المدارس ليبدو بشكل أفضل على ذراع آل غور. كما اضطر، وفقا لما كتبته صحيفة "لوس انجليس تايمز"، إلى إبداء "بادرة تصالحية لنشطاء هوليوود الذين أزعجتهم حملته ضد الإباحية والعنف المتضمنين في برامج الشباب الترفيهية".

وفي حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، اضطر جو بايدن إلى تغطية خلافاته مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن العراق. وقال أحد مساعدي بايدن لصحيفة "بوليتيكو": "أراد جو أن يكون نائب الرئيس أو وزير الخارجية، وهو، لتحقيق أي من الغايتين، احتاج للتأكد من أنه لا يختلف مع أوباما على أي شيء".

ولم يحدث أن كانت هناك لائحة مرشحين تثق بعامة الشعب بما يكفي للاعتراف بما نعرفه جميعا - أن نواب الرؤساء غالبا ما يختلفون بشأن حفنة من المسائل. وبالتأكيد، فإن وسائل الإعلام هي جزء من المشكلة. إذ تتعامل الصحافة مع أي اختلاف بشأن أي مسألة بين مرشح ما ونائبه كما لو أنها عثرت على نسخة للـ18 دقيقة المفقودة من أشرطة الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون.

وتلك عملية غريبة بالنسبة لكل من عضوي اللائحة، وهي لا تحط من شأن المرشح لمنصب نائب الرئيس فحسب. فقد أنشأت أميركا نظاما لاختيار قادتها يشكل فيه الاستعداد لفقدان أي احترام للذات - ناهيك عن احترام الأميركيين - أحد أهم متطلبات الوظيفة. وبعد سنوات من الإنجازات، ينضم المرشحون أخيرا إلى المنافسة التي عملوا من أجلها طيلة معظم سنوات حياتهم، ويبدون فجأة يائسين، وغير واثقين بأنفسهم، وغير متزنين.

وبالتالي فقد يسعنا تقديم المساعدة من خلال إخبار المرشحين المستقبليين لمنصب نائب الرئيس بأنه لا بأس بأن يكون لهم رأيهم الخاص بين الفينة والأخرى. وقد تغضب وسائل الإعلام حيال ذلك، ولكن الشعب لن يغضب. فجميعنا، في نهاية المطاف، يعرف ما يحدث لمعظم الزيجات عندما يعمد أحد الزوجين السعيدين إلى طمس شخصيته تماما بعد فترة قصيرة من قوله "نعم، أقبل".

Email