الإخوان في مواجهة القوى الناعمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد المجتمع المصري في أعقاب ثورة يناير، العديد من القوى المختلفة التي تأتي في المقدمة منها القوى الإسلامية، إخوانية وسلفية، والقوى الليبرالية واليسارية، إضافة إلى العديد من القوى الأخرى التي لم تستطع أن تبلور لنفسها سياقاً واضحاً من التوجهات الأيديولوجية والممارسات السياسية.

 ورغم ذلك التعدد فإن الأمر الواضح هو تصدر الإخوان المسلمين للمشهد السياسي، من خلال حصولهم على نسبة كبيرة من مقاعد مجلس الشعب المنحل، وانتزاعهم أرفع موقع سياسي متمثلاً في منصب رئيس الجمهورية. ولقد أدى تصدر الإخوان المشهد السياسي المصري، إلى حملة شعواء من الكثير من التيارات السياسية الأخرى، وبشكل خاص من التيار اليساري الذي افتقد الكثير من آداب الحوار وموضوعيته.

ورغم تلك الحملات وما أعقبها من رد فعل عنيف من قبل بعض القادة الإخوانيين، فإن الأمر اللافت للنظر هو أن الجميع حريص على ألا تمتزج حدته بالعنف في مواجهة الآخرين، وبشكل خاص العنف المادي. ولقد تجلى ذلك بشكل واضح في تنديد جماعة الإخوان بالمظاهرات التي حدثت في محيط مدينة الإنتاج الإعلامي، مع ما ارتبط بها من اعتداءات مادية على رئيس تحرير اليوم السابع. وبغض النظر عن مدى اقتناعنا بتلك الإدانة الإخوانية ومدى صدقها، فإننا على الأقل أمام إعلان صريح يندد بالعنف المادي والرفض التام له.

ولا يقتصر الأمر على الإخوان، بل يتعدى ذلك إلى إصرار كافة القوى الوطنية الأخرى على إدانة العنف، وعلى مشروعية الحق في التظاهر السلمي الذي يحترم حقوق الآخرين ولا يضر بهم أو بممتلكاتهم. وعموماً يمكن القول بأننا أمام حالة تخشى فيها كافة القوى السياسية، بما في ذلك القوى الدينية المهيمنة، ممارسة أي قدر من العنف الواضح والصريح في مواجهة القوى الأخرى.

صحيح أن هناك بعض الانفلات هنا أو هناك، لكنه لم يصل إلى مستوى ممنهج ومتواصل على وتيرة ممارسات النظام السابق ضد معارضيه. وسوف يستمر ضبط النفس لفترة ليست قصيرة من قبل كافة القوى الوطنية، حتى يتبلور المشهد السياسي المصري والممارسات المختلفة المرتبطة به.

وبالنسبة للإخوان المسلمين فإن هناك العديد من الأسباب التي تمنعهم، على الأقل في الوقت الراهن، من ممارسة أي قدر من العنف ضد الفرقاء السياسيين الآخرين. وهي أسباب ترتبط بطبيعة مرحلة ما بعد الثورة، كما ترتبط بطبيعة القوة الناعمة التي تمتلكها القوى الأخرى في مواجهة الإخوان ومشروعهم الديني.

إن طبيعة مرحلة ما بعد الثورة، تجعل الإخوان يفكرون كثيراً قبل الإقدام على قمع الآخرين، خشية المقارنة بينهم وبين نظام مبارك البائد. ولعل سرعة قيام الرئيس مرسي بإلغاء الحبس الاحتياطي للصحافيين، قد تم على خلفية المقارنة بين ما يحدث الآن وما حدث في عهد نظام مبارك.

كما أن ممارسة أي قدر من العنف ضد القوى الوطنية الأخرى، وبشكل خاص القوى الثورية المرتبطة بالشارع المصري، سوف يضعف بشكل كبير من شعبية الإخوان، ويقارب بينهم وبين الممارسات الدموية للنظام السابق، وهي مسألة أعتقد أن عقلاء الإخوان يدركونها بشكل كبير.

وما يمنع الإخوان أيضاً من الإقدام على أية ممارسات عنيفة، هو إدراكهم لما تمتلكه القوى الوطنية الأخرى من أسلحة عديدة، يأتي في الصدر منها الإعلام الخاص ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

فالواقع المصري يمتلك إعلاماً خاصاً قوياً، بغض النظر عن مدى نضجه وتضارب أجنداته وربما انتهازيتها، يستطيع أن يحرك الشارع المصري ويوجه المواطنين الوجهة التي يريد، وهي مسألة مزعجة بدرجة كبيرة لأي نظام سياسي.

إضافة إلى ذلك، فإن أية ممارسات سياسية قمعية يتم فضحها أولاً بأول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يعد في مقدور أي نظام سياسي أن يفلت من محاسبته على ممارساته القمعية.

وبجانب ما سبق، فإن المزاج المصري مزاج يتسم بالوسطية في حياته اليومية العادية، وهي مسألة تدركها القوى الدينية المختلفة؛ فما يتم في بعض البلدان العربية يصعب تنفيذه بدرجة أو بأخرى على مستوى الممارسات الدينية المصرية.

وهو أمر لا يرتبط فقط بممارسات المواطن العادي، لكنه ينسحب أيضاً على العديد من المثقفين والمعلمين وأساتذة الجامعات، الذين لا يجدون أي غضاضة في الارتباط الديني دون أن يكون ذلك مبنياً على القمع والإكراه.

تمثل هذه الجوانب قوى عديدة في مواجهة أية محاولات دينية تتأسس على الإكراه في المجتمع المصري، وهي قوى ناعمة من ناحية عدم استنادها لأية مواجهات عنيفة، رغم ما تمتلكه من تأثير وفضح واسع المدى لأية قوى دينية قد تتصور تسيدها للمشهد المصري السياسي المعاصر!

 

Email