هل يقترب الشرق الأوسط من حافة الحرب؟ وهل هي حرب إقليمية يمكن أن تتطور وتتحور إلى حرب عالمية؟

تساؤل بات يزعج سكان المنطقة العربية، وبالأحرى العالم برمته، لا سيما في ظل ضبابية الرؤية عند البعض من جهة، وإصرار الولايات المتحدة على تحقيق مصالحها الاستراتيجية وصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة.

هذه جميعها جعلت العلامة «هل ستقع الحرب؟» متأخرة، واستبدلت بأخرى عنوانها «متى ستقع تلك الحرب؟».

يتساءل المراقبون بين أية أطراف يمكن أن تقع؟ وهل ستكون حرب إيران وإسرائيل فقط؟ أم مواجهة حزب الله وحماس لقوات الاحتلال الإسرائيلي؟ أم أن سيناء ستكون نقطة اشتعال جديدة لحرب بين إسرائيل ومصر، ومن ورائها العالم العربي، وربما تكون سوريا هي شرارة تلك الحرب الإقليمية، التي لن تلبث أن تتحول إلى حرب عالمية، أقطابها قوى عظمى أميركية وروسية وصينية؟

علامات مزعجة في الطريق، وكما أنه من شجرة التين يتعلم الإنسان المثل، فمتى لانت أوراقها واخضرت، يعلم الناظر أن الصيف قريب، هكذا، متى يرصد المرء علامات الحرب، لا سيما الاستعدادات الجارية لها على قدم وساق، في بلد لا يعرف العيش في سلام، وهو إسرائيل، يدرك حقاً أن المواجهة ربما أقرب مما يتخيل.

في تصريحاته لصحيفة ديلي سكيب الأميركية، يقول ثعلب السياسة الأميركية العجوز، وزير خارجيتها الأسبق هنري كسينغر «إن طبول الحرب تقرع في الشرق الأوسط، ومن لا يسمعها فهو أصم».

والمثير جداً في تصريحات كيسنغر، التي يضيق المسطح المتاح للكتابة عن ذكرها بكاملها، هو أنه يروج لحرب عالمية ثالثة، تكون بداية ضربتها العسكرية موجهة لإيران، وأن مهمة إسرائيل في تلك الحرب، وفقاً لكيسنغر، هي قتل أكبر عدد ممكن من العرب، واحتلال نصف الشرق الأوسط، أي على طريقة ألمانيا في زمن الحرب العالمية الثانية.

هل دفع الغرور الإمبراطوري كيسنغر إلى لحظة جنون؟ أم أنها تصريحات عقلانية تستند إلى رؤى استشرافية، أعدتها واشنطن منذ عقود طويلة لصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة، كما طالبت بذلك جماعة المحافظين الجدد؟

كيسنغر يشدد على ضرورة احتلال سبع دول في الشرق الأوسط، نظراً لأهميتها الاستراتيجية، ولوجود النفط والموارد الاقتصادية الأخرى فيها.

وعنده، أنه عندما تتحرك روسيا والصين من غفوتيهما، سيكون الانفجار الكبير والحرب الكبرى التي سيكون النصر فيها لأميركا وإسرائيل، وأن إيران، من وجهة نظر كسينغر، هي المسمار الأخير في النعش الذي تجهزه واشنطن وتل أبيب لكل من روسيا وإيران.

يحق للمحلل السياسي المتابع للأحداث أن يتساءل؛ هل الفوضى، غير الخلاقة، الحادثة في العالم العربي، وأخطر فصولها المشتعلة الآن في سوريا، هي المقدمة لتحقيق تنبؤات كسينغر، التي يبدو أنها ماضية في نفس طريق وتصورات برنارد لويس، وصموئيل هانتغتون، ومن لف لفهم؟

ثم علامة الاستفهام الأخطر والأهم؛ هل الروس والصينيون غافلون عما تحيكه لهم واشنطن بليل بهيم؟ هذا إذا اعتبرنا أن الانكسار الاقتصادي الحادث في أوروبا اليوم، قد سحب من فمها أي صوت، وأفقدها أي مقدرة على تحديد مواقف إيجابية إنسانية، تخالف ما ترتئيه واشنطن من عسكرة للعالم!

الجواب، في حقيقة الحال، يحتاج إلى دراسة وقراءة مطولة، لكن باختصار غير مخل، نشير إلى عدد من المشاهد والتصريحات الروسية، التي تولد لدينا قناعة بأن احتمالات تحول المشهد إلى حرب عالمية قائم بالفعل.

في مقدمة الشواهد، ما جرى نهار السابع من يونيو المنصرم، من تجربة روسية لصاروخ بالستي جديد عابر للقارات «بولوا»، وقد شوهد لهبه في الشرق الأوسط تحديداً. وكأن موسكو كانت تبعث للعالم برسالة مفادها أنها «مستعدة للحرب العالمية إذا لم يراعِ حلف الناتو القوانين الدولية، لا سيما في تلك المنطقة الحيوية والاستراتيجية، حيث أكبر وأهم مخزون للطاقة عرفته البشرية عبر التاريخ».

أما وزير الدفاع الروسي أناتولي سرديوكوف، فقد أشار إلى ازدياد خطر نشوب حرب عالمية جديدة، بسبب ما أسماه ظهور مراكز جديدة للقوة تدعي قيادة المنطقة والمناطق التي تتسبب في التوتر السياسي.. فيما الجنرال الروسي نيكولاي ماكاروف، بدوره، يشير إلى أنه لا يستبعد النزاعات المسلحة المحلية والإقليمية، والتي ستتحول إلى حرب واسعة النطاق، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية.

أين تقع الصين من هذه الحرب المتوقعة؟

مؤخراً أخطرت وزارة الدافع الروسية، رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف، بأن الرئيس الصيني جين تاو وافق مبدئياً على أن السبيل الوحيد لوقف العدوان الغربي بقيادة الولايات المتحدة، لن يكون إلا من خلال العمل العسكري المباشر والفوري، وبأنه أصدر أوامره لقواته البحرية لتستعد للحرب.

هذا الحديث ترجمه الأدميرال الصيني والمعلق العسكري البارز «تشاو تشانغ»، بالقول إن الصين لن تتردد في حماية مصالحها في الشرق الأوسط والخليج العربي، حتى لو أدى ذلك إلى خوض حرب عالمية ثالثة.

إلى أين المفر إذن؟

يخشى المرء أن تكون الأحداث شرق أوسطياً مندفعة ككرة الثلج من فوق الجبل، حتى تصل إلى قدرها المحتوم في القاع.

ويبقى السؤال: لماذا يدفع العرب من جديد ثمن المواجهات القطبية الدولية الجديدة، بدءاً من المؤامرات السرية، وصولاً إلى الحروب العالمية؟

ربما كان جديراً بنا أن نتساءل؛ لماذا نفتح بأيادينا الأبواب واسعة لهؤلاء وأولئك لتصفية حساباتهم على إقليمنا المتألم دوماً؟