العمالة المنزلية.. الواقع والتحدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ زمنٍ ليس بعيدا؛ كنّا إذا استيقظنا من النوم نجد طعام الإفطار جاهزاً على "السفرة"، فيأكل كل واحد منّا نصيبه ثم ينصرف إلى مدرسته أو عمله، ذلك أن وراء هذا العمل الأثير ربة بيت حرصت بشدة على أن تطعمنا من يديها الكريمتين، وتهتم بنا على النحو الذي يرضينا ويسعد قلبها في الوقت نفسه.

بيد أننا اليوم عندما نستيقظ، نرى بعض ربّات البيوت نائمات أو أنهنّ يتجهزنّ للذهاب إلى العمل خارج المنزل، كما أنك تجد "البشكارة" التي أسندنا إليها خدمتنا، في "سابع نومة" ونحن من يقوم بإيقاظها.. نعم إلى هذه الدرجة وصل بنا الحال، وأسراب الخدم تحتل منازلنا من دون فائدة، وعلى قول المثل: "على كثرتهم تقل بركتهم".

وعلى هذا الحال لا أدري ماذا تفعل كل أسرة بهذا الكم من العمالة المنزلية؟ ألهذه الدرجة نحن محتاجون لهذا العدد من الخدم؟! أم أن الأمر لا يعدو سوى "فشخرة"، وحبٍّ للمظاهر السلبية التي طغت على معظم جوانب حياتنا!

في بعض المنازل، ترى أن عدد الخدم أكثر من عدد أفراد الأسرة، وهذه معاناة كبيرة تنعكس سلبيا على تحديات التركيبة السكانية التي نعاني منها، حيث تأتي العمالة المنزلية ثانياً بعد عمّال البناء والتشييد، في تراتبية الأسباب المؤدية لمشكلات التركيبة السكانية، وهو الأمر الذي يضرّ بعادات المجتمع وتقاليده وقيمه الأصيلة، من خلال السلوكيات غير الأخلاقية التي تبثها فئة الخدم في نفوس الأبناء الذين يتربون على أيديهم، ناهيك عن القضايا الجنائية وغيرها التي تكتظ بها أروقة المحاكم من جراء تصرفاتهم المشينة، فضلا عن الخسائر المادية التي تتكبدها الأسرة والدولة اقتصادياً، استناداً على ما أكدته الدراسة التي أعدتها "غرفة تجارة وصناعة أبوظبي"، بأن حجم إنفاق الأسر في دولة الإمارات على خدم المنازل، يصل إلى نحو 3 مليارات درهم سنويا.

لقد سيطرت على سلوكياتنا مفاهيم واهية، كالوجاهة وحب التملك والتفاخر بعدد الخدم والحشم الذي نملك، فزاد اعتمادنا عليهم، وتسرب بالتالي إلى دمائنا الكسل، بحيث لا نكلف أنفسنا القيام بأي عمل، مهما كان بسيطا.

وهذا الكسل، الذي انتقل أو سينتقل حتماً إلى أبنائنا، ساهم من جهة أخرى في انتشار أمراض القلب والسمنة وغيرهما بين أفراد المجتمع، بسبب قلة الحركة والنشاط اللذين كان يتميز بهما الإنسان القديم.

في كثير من الدول الأوروبية والآسيوية، لا نجد هذا الكم من العمالة المنزلية، إذ نرى أن كل فرد من أفراد الأسرة يعمل ضمن منظومة تربوية، يقوم من خلالها ببعض الأعمال المنزلية، كغسل الملابس أو تنظيف السيارات أو إعداد وجبة الطعام، وهكذا تتولد عند الأسرة الواحدة روح التعاون والتآزر والتعاضد، فضلاً عن الرحمة والبركة اللتين تحلان على أهل البيت الواحد والأسرة الواحدة التي هي نواة المجتمع، وصلاحها الذي يعد صلاحا للمجتمع.

وتأسيسا على ما سبق القول، فإننا نؤكد أن الوضع الذي نحن عليه اليوم غير مبرر، وبالتالي نحتاج إلى حركة تصحيح في أساليب وطرق تفكيرنا في هذا الشأن، فما هكذا تورد الإبل. أي نعم، مجتمعنا يعد من المجتمعات الغنية والمرفهة، لكنه في الوقت ذاته يعتبر مجتمعاً محافظاً وأصيلاً، يزخر بالكثير من العادات والقيم الإنسانية والدينية السمحة.

فيجدر بنا أن نعيد النظر في مسألة الخدم، نحو التقنين أو الاستغناء إن أمكن، فكل امرأة تعتمد على نفسها في تنظيم أمور حياتها وحياة أبنائها وزوجها، كما أن الزوج عليه مساعدة زوجته في أعمال المنزل، وليس عيباً أن يطبخ أو يكنس أو يغسل، أما الأبناء فمن المفترض أن يتعلموا كيف يخدمون أنفسهم بأنفسهم، وذلك ببث روح المبادرة في نفوسهم وزرع حب الاعتماد على النفس فيهم، كأن يرتّب كل طفل سريره بعد استيقاظه من النوم، أو أن يغسل طبقه الذي تناول فيه الطعام.. إلخ، وهكذا يتعود الأبناء على الاعتماد على أنفسهم.

فمن خلال التنظيم والمتابعة الدقيقة لأمور حياتنا اليومية، سينتهي الأمر إلى الاستغناء عن الخدم ولو بشكل جزئي، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة المجتمع من جهة التركيبة السكانية، فضلا عن حفظ الأمن والاستقرار الأسري والمجتمعي من جهة ثانية.

نعم أعزائي القرّاء، دعونا نبدأ بتبني مبادرة مجتمعية فعّالة، نسعد من خلالها بحياة خالية من العمالة المنزلية قدر الإمكان، وبالتالي نكون بمنأى عن ضررها الكبير والمتفاقم، تربوياً واجتماعياً وأخلاقياً واقتصادياً، على أسرنا ومجتمعنا ووطننا. ودمتم بسلام..

Email