عندما أشاهد الألعاب الأولمبية، أجد ظاهرة ملفتة للنظر بشكل خاص. فبعد كل فعالية، يبدأ الرياضيون، الذين كان كل منهم، قبل ثوان معدودة، يحاول إلحاق الهزيمة بالآخر في المنافسة، بمعانقة بعضهم البعض على نحو مفاجئ.
وقد يستغرب شخص من خارج المجال هذا التعايش بين المنافسة والمودة. وبصفتي سباحة سابقة على مستوى النخبة، أستطيع أن أقول لكم: على الرغم من أن الفوز هو هدف كل رياضي، فإن الرياضيين يدركون أن منافسيهم هم المسؤولون إلى حد كبير عن دفعهم إلى تقديم أفضل ما عندهم.
فعندما يأتي شخص مثل مايكل فيلبس، ويخرج الجميع من حوض السباحة، فإنه يفرض على سائر المتسابقين أن يحللوا أساليبه وتقنياته، ليعرفوا أيا منها يمكنهم اعتماده. وتلك هي الطريقة التي تتطور من خلالها الرياضة: يحقق شخص ما إنجازا معينا، فيسعى الجميع للوصول إلى ذلك المستوى.
وتوجد هذه الظاهرة نفسها في الشؤون العالمية، ولكن غالبا بدون عقلية الرياضي الأولمبي، التي لا تسمح للتعاون والمنافسة بأن يتعايشا فحسب، بل تتيح لهما أيضا أن يؤديا إلى إثراء أكبر لجميع الأطراف.
وعلى سبيل المثال، فقد أعلنت مجموعة شركات الدفاع الأوروبي "إي إيه دي إس" مؤخرا، أنها ستفتتح مصنعا جديدا في الولايات المتحدة. ويمكن للمرء أن يتصور أن أوروبا ستعتبر هذه الخطوة محاولة لجعل الكعكة الاقتصادية أكبر بالنسبة لكل من أميركا وأوروبا، ولكن بعض أصدقائي الأوروبيين يعتبرونها مزيدا من تعهيد الوظائف الأوروبية.
وربما يتعين على الأوروبيين أن يدرسوا، بدلا من التذمر، أسباب هذه الخطوة، لكي يتمكنوا من زيادة قدرتهم التنافسية، والقيام بغير ذلك أشبه بمنع مايكل فيلبس من المنافسة في لندن. ولو أن فريق السباحة الفرنسي لم يكن لديه فيلبس، الذي ألهب حماس الجميع خلال دورة الألعاب الاولمبية لعام 2008 في بكين، فهل كان أعضاؤه سيقدمون في لندن هذا الأداء الهائل الذي أكسبهم إشادة مواطنيهم؟
وفي ما يتعلق بالشؤون العالمية والاقتصاد العالمي، فإن الصين تواظب على "الفوز" على أساس مشكوك فيه، نظرا لافتقارها النسبي لمعايير العمل والبيئة. ومن الواضح أن الصين، على المسرح العالمي، تخوض منافسة مع الغرب من أجل البقاء الاقتصادي والهيمنة الإيديولوجية. فهل يمكن التنافس بشكل تعاوني، كما في الألعاب الأوليمبية، مع دول مثل الصين وروسيا رغم اختلافاتها الإيديولوجية مع الغرب؟
إنني لا أرى ذلك ممكنا فحسب، بل هو ضروري، إذا كان الغرب يأمل في أن يعيد الأمور لصالحه. ولن تنجح استراتيجية سحق الصين بالرأسمالية، ما لم تلعب الصين وفقا للقواعد نفسها التي يتبعها للغرب. ويوازي ذلك، من الناحية الأولمبية، التنافس مع الألمان الشرقيين المتناولين للمنشطات في دورة الألعاب الأولمبية لعام 1976 في مونتريال.
ويشكل ارتباط أميركا باليابان بعد الحرب العالمية الثانية، سابقة من نوع ما، والفرق هو أن التأثير على مجتمع مدمر كان أسهل بكثير مما سيكون عليه التأثير على قوة مثل الصين. فالسماح للصين بالحصول على حصص غير مسيطرة في مشاريع، مثل مشاريع أنابيب النفط والطاقة في كندا كما رأينا في الآونة الأخيرة، يسحبها إلى دائرة النفوذ الغربي. وعلى الرغم من حقيقة أن هذه الاستثمارات تضمن أن تزداد الصين ثراء مع ازدياد كندا ثراء، فإن البديل هو عدم إشراك الصين على الإطلاق، وعدم محاولة وضعها على ساحة لعب أكثر استواء.
وإذا كان هناك أي أمل في التأثير على الصين لتسوي ساحة اللعب، فإن قوة الدفع يجب أن تكون اقتصادية، وليس من المرجح أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها أو بـ"سرعة وسائط الاتصال الاجتماعية.".
وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا، تلك الدولة التي تدار من قبل أشخاص أذكياء ومتعلمين، يفتقرون إلى الخبرة الدولية (ربما باستثناء الفترة التي أمضوها في الخارج لأغراض التجسس)، ولن يوافقوا أبدا على تغيير نظرتهم للعالم، القائمة على أساس القوة الغاشمة أو التهديد باستخدامها. وقد تمت محاولة ذلك بالفعل، فأعيد بناء الاتحاد السوفييتي من الناحية الاقتصادية، وصنف على أنه اتحاد أوراسي. ولن يأتي التغيير الدائم الوحيد، إلا من المنطق التأثيري الناتج عن زيادة الانخراط.
وبدون مزيد من التفاعل، فإن محاولة إقناع الاشتراكيين أو الشيوعيين الذين لم يطلعوا يوما على النظرة العالمية البديلة، بأن الرأسمالية تمثل نظاما أفضل تكاد تكون مستحيلة، لا سيما عندما ينظرون خطأ إلى انهيار وول ستريت باعتباره فشلا للنظام الرأسمالي، بدلا من كونه مجموعة من الأخطاء المرتكبة من قبل الجهات المعنية.
وأنا لا أتحدث عن مؤتمرات القمة الرمزية وجلسات الدردشة، التي ستكون أشبه بتحفيز الرياضيين الأولمبيين لبعضهم البعض من خلال ظهورهم على صندوق حبوب "ويتيز"، ولكن عن فرص ذات مغزى للانخراط. ويتمثل التحدي في تحديد تلك الفرص وإيجادها، وحينها فقط سيتسنى للغرب الازدهار في بيئة من المنافسة العادلة.