المريخ في متناول اليد

ت + ت - الحجم الطبيعي

عنوان المقالة هو بالطبع كناية عن هبوط مسبار الفضول الأميركي (كيوريوستي روفر) على سطح المريخ في الأسبوع الماضي برفق، وبدء إرساله صورا للمكان الذي هبط فيه، ثم بعد ذلك بأيام القيام بمهماته وهي الكشف عن أي آثار للحياة، عبر تحليله للصخور بواسطة الليزر وغيرها من الأجهزة المعقدة في المختبر الذي يحمله المسبار، والذي بلغت تكلفة صناعته مليارين ونصف المليار من الدولارات.

وقولنا إن الكوكب الأحمر قد أصبح في متناول اليد، لا يعني أنه على مرمى حجر منا، بحيث يستطيع من شاء من الدول الوصول إليه، فها هو الاتحاد السوفييتي السابق، بكل عظمته وجلال قدره، وكان السباق في ارتياد الفضاء منذ أن أطلق الكلبة لايكا في مدار حول الأرض عام 1957، مفتتحاً عهداً من التنافس على ارتياد الفضاء بين القوتين الأعظم آنذاك، أقول؛ إن الاتحاد السوفييتي (وبعده جمهورية روسيا) لم يفلح في إنزال مسابيره على سطح المريخ، رغم محاولاته الدؤوبة التي بدأت في أواخر العام 1962 وامتدت إلى وقتنا الراهن.

وهو أيضاً ليس بقرب القمر إلينا، فهذا الكوكب الأحمر بعيد عنا بصورة خيالية، إذ اقتضى من مسبار الفضول الأميركي أن يقطع 570 مليون كيلومتر في أكثر من سنتين، بسرعة عشرين ألف كيلومتر في الساعة، للوصول إليه!

وكما كانت رحلات كريستوفر كولومبوس وأميركان فوسبوتشي وماجلان وغيرهم قبل خمسمئة عام ونيف، بداية لعصر جديد اكتشف فيه الرجل الأوروبي العالم الجديد، وطرق الملاحة التي لا تمر بالموانئ الإسلامية، ثم ما تبعه من ظاهرة تنافس القوى الغربية على اقتسام العالم واستعماره واستغلال ثرواته، فضلاً عن التقدم العلمي الذي أضحى من امتيازات الغرب، فإن هذا الفتح العلمي والتقني والفلكي، وهو النزول على كوكب المريخ برفق والبدء باكتشافه، ربما يفتح عصراً جديداً للقوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للتفوق والهيمنة.

هذا العصر في حقيقة الأمر لم يبدأ منذ وصول مسبار الفضول إلى سطح المريخ، وإنما بدأ قبل ذلك بأكثر من نصف قرن، حينما نجح الاتحاد السوفييتي في برنامج سبوتنك لارتياد الفضاء. وكان نجاحه في إرسال كلبة، ثم الرائد غاغارين في عام 1961، إيذاناً بمرحلة من التنافس المحموم بين القوتين الأعظم، إذ اتخذ النجاح العلمي بعداً سياسياً وعقائدياً.

فمن الناحية السياسية كان "الفتح" السوفييتي نجاحاً باهراً لدولة قد خرجت للتو من حرب عالمية ضروس، فقدت فيها أكثر من عشرين مليونا من مواطنيها، عدا عن الجرحى والتخريب الذي طال الممتلكات من زراعية وحضرية وغيرها. ومن الناحية العقائدية، كان ذاك علامة على انتصار "الاشتراكية" وتفوقها على "الرأسمالية". ولذلك، اجتهدت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة جون كنيدي "للحاق" بالتفوق السوفييتي وتجاوزه، فوضع كنيدي برنامجاً لنزول أميركي على سطح القمر قبل عام 1970.

وفعلاً تم ذلك، حينما وطئت قدما نيل أرمسترونغ وزميله بز ألدرن في الحادي والعشرين من يوليو عام 1969، أرض القمر على متن المركبة أبولو 11. والملفت أن أول عمل لأرمسترونغ لم يكن علمياً أو فلكيا، بل كان سياسياً بحتاً، وهو تثبيت العلم الأميركي فوق سطح القمر، وما زال ذلك العلم قائماً (وهو بالطبع لا يرفرف لخلو القمر من الرياح) شاهداً على الإنجاز الأميركي. والصين، التي أخذت بالدخول في حلبة ارتياد الفضاء ليكون ذلك انعكاساً لعلو شأنها السياسي، تحاول منذ مدة إرسال رجل للهبوط على سطح القمر.

نختم هذا المقال بطرفة لها علاقة بهذا الفتح العظيم، لكنها لا علاقة لها بالسلوك "العلمي البحت"، فقد أوردت مجلة التايم الأميركية الأسبوعية في عددها الأخير، أن الفنيين في محطة ناسا المتابعين لهبوط المسبار، كانوا يتناولون الكثير من الفول السوداني (السِّبال) وهم منهمكون في عملهم، حيث إن ذلك أصبح تقليداً عندهم توارثوه منذ عام 1964، حينما نجح المسبار رينجر 7 في الهبوط على سطح القمر، بعد أن فشلت ست محاولات سابقة. وصدف عند هبوط رينجر 7 أن أحد العاملين كان يأكل الفول السوداني، فأصبح أكل الفول السوداني منذئذ علامة للفأل الحسن، لا يستطيع مخالفته أي عامل أو فني في ناسا!

وعش رجباً ترى عجباً! وعيدكم مبارك.

Email