أميركا بحاجة إلى انتخابات أكثر جدية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تم إنفاق نصف مليار دولار، وكل ما حصلنا عليه هو هذه الانتخابات الرديئة؟ ذلك تقريباً المبلغ الذي تم إنفاقه في السباق الرئاسي حتى الآن، وإلى حين انتهاء كل شيء، تشير تقديرات مركز السياسة المستجيبة إلى أن السعر سيصل إلى نحو 2,5 مليار دولار. ذلك مبلغ كبير، وسيكون جزء كبير منه قد تم إنفاقه على ما يطلق عليه أحياناً "التراسل". ومع تمويل قيمته 2,5 ملياري دولار، يعتقد المرء إلى حد كبير أن كل قضية مهمة ستحظى بالأهمية التي تستحقها. ولكن، كما يتضح لنا، فإن المرء لا يحصل دائماً على ما يدفع ثمنه.

دعنا نقم بجولة مراجعة سريعة لبعض انحرافات هذه الحملة الأكثر تجرداً من المعنى: لقد رأينا شركة "باين"، ومن كان ولم يكن - يديرها، و"سوليندرا"، وزلات لسان متنوعة، وعوائد ضرائب ميت رومني، وبعض زلات اللسان الوهمية ("إنك لم تقم ببنائه"، وغيرها)، والمزيد عن عوائد الضرائب تلك، واتهامات مضادة تتعلق بعوائد الضرائب. ثم أخذنا قسطاً من الراحة لمتابعة دورة الألعاب الأولمبية.

ولكن حتى قبل أن تنتهي دورة ألعاب لندن، حوّل فيلق الصحافة السياسية انتباهه بالفعل إلى رياضته المفضلة: ماراثون التكهنات فقبل أن يختار بول ريان، حول نائب الرئيس الأميركي.

هل سيكون تي-باو؟ هل سيكون بورتمان؟ هل سيجازف رومني بالقيام بمجازفة؟ هل يستطيع الحزب الجمهوري وضع اسم رجلين أبيضين على التذكرة الانتخابية؟ كيف سيؤثر اختيار رومني على الهيئة الانتخابية؟ ماذا عن التصويت الشعبي؟ ما قول "إنتريد" بذلك الخصوص؟

وفي تلك الدوامة ستضيع أية مناقشة للقضايا الحقيقية، بما في ذلك فرص العمل، وأزمة السكن المستمرة. وأنا لا أقول إن قضايا مثل عائدات الضرائب واختيارات نائب الرئيس لا تهم. فمن الواضح أنها تشكل انعكاسات لشخصية المرشح وصفاته، وينبغي لنا أن نتحدث عنها. ولكن المسألة مسألة نسبة. فما هي تكلفة الفرصة البديلة لهوس وسائل الإعلام باستطلاعات الرأي وزلات اللسان والتكهنات؟

وكتب مايكل كالدرون من موقع "هفبوست" يقول: "سواء في الداخل أو الخارج، فإن ما يسمى بزلات لسان المرشحين للرئاسة - وانشغال وسائل الإعلام بكل تصريح لم تتم صياغته ببراعة أو يفتقر إلى الحكمة هما اللذان عرفا انتخابات 2012". ولا تكمن المشكلة في الرغبة في وضع المرشح في دائرة الضوء.

فهذا ما يتعين على مراسلي الحملات الانتخابية فعله. ولكن بدلاً من سؤال بعض المرشحين عن تصريح خارج عن السياق أو عن "زلة لسان" صيغت بتهور، ماذا عن إحراجهم بالفعل من خلال مواجهتهم بالطبيعة الحقيقية لما يمثله هذا الاقتصاد من دمار بالنسبة للملايين من الأميركيين، ولما نجم عن افتقارهم إلى الشعور بالإلحاح من معاناة؟

ووسط التغطية المستمرة لـ"زلات لسان" المرشحين، ضاعت مقالة قوية كتبها جوناثان تشيت من مجلة "نيويورك" حول مدى فظاعة تقبل قادتنا ونخبنا لبؤس واسع النطاق إلى هذه الدرجة: "يرى الملايين والملايين من الأميركيين أن الأزمة الاقتصادية تمثل أسوأ حدث في حياتهم. حيث فقدوا وظائفهم ومنازلهم وتأمينهم الصحي وفرص أبنائهم، وشهدوا تدهور مهاراتهم، وفقدوا إحساسهم بقيمة الذات. ولكن بالنسبة لمن هم في وضع يمكنهم من التخفيف من تلك المعاناة، فإن الأزمة مجرد مأساة حزينة وبعيدة".

ولكن بالنسبة للملايين من الأميركيين، فإن ذلك واقع يومي رهيب. وقد مر ما يقرب من عام على قول جون كاسيدي من مجلة "فورتشن" متسائلاً: "أين هي المقترحات الجادة لإحياء سوق الإسكان؟" وبما أن هذه السنة هي سنة انتخابية، وأن أسعار 20% من المنازل تدنت عن قيمة رهونها العقارية، فقد تعتقدون أن شخصاً ما، خلال الشهور العشرة التي تلت كتابة كاسيدي لذلك السؤال، ربما طرح خطة جريئة. ولكنكم ستكونون على خطأ.

وكما كتب كاسيدي في ذلك الوقت: "يبدو الأمر وكأن الحزبين وافقا على التخلي عن هذه القضية". ولم يتغير الكثير منذ ذلك الحين.

ولم تتغير كذلك حقيقة أن إدوارد ديماركو لا يزال رئيس الوكالة الفيدرالية لتمويل الإسكان. وقد وصفه بيتر غودمان من موقع "هافبوست" بأنه: "العقبة الكبرى الوحيدة أمام تحقيق انتعاش اقتصادي جاد". وتعتبر الوكالة التي يديرها ديماركو، وهو موظف حكومي من عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، مسؤولة عن "فاني ماي" و"فريدي ماك". وبتلك الصفة، فقد رفض ديماركو اتباع خطة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لإعفاء أصحاب المنازل التي تدنت أسعارها عن قيمة رهونها العقارية من الدين.

وبالتالي، فإنه ليست هناك خطة جريئة لفرص العمل، وليست هناك خطة جريئة للإسكان. وما لم نخض هذا النقاش الآن، مع تبقي نحو 90 يوماً على هذه الانتخابات، فإن ذلك سيدل على أننا سنقبل بوضع الأزمة الدائم هذا على أنه وضع طبيعي أميركي جديد.

وكتب مات إغلسياس في مجلة "سليت" يقول: "لا تتوقعوا أن تتحسن الأمور قبل أن يقرر الأشخاص الذين يملكون القدرة على تغيير الاتجاه أنهم يريدون فعل شيء ما". ولكنهم لن يتخذوا ذلك القرار ما لم نجبرهم على ذلك. ويمكننا أن نبدأ بالمطالبة بانتخابات أكثر جدية.

Email