تراجيديا السلام في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا توجد كلمة سلام في القاموس الإسرائيلي، مع البشرية عموماً والعرب خصوصاً والفلسطينيين بصورة أكثر خصوصيةً.

كلمة "شلوم" العبرية تعني السلام والأمان لشعب الله المختار الممثل حالياً بدولة إسرائيل، من وعلى حساب الجنس البشري عموماً. من غير المحتمل أن تتبع إسرائيل القوية عسكرياً وسياسياً، ومادياً ومعنوياً، خريطة طريق تؤدي بالأوضاع إلى السلام الحقيقي العادل مع أهل الأرض الأصليين والجيران.

جل خطوات السلام التي اتُّخذت حتى الآن جاءت بسبب ضغوط دولية أو إقليمية هائلة، وفي النهاية أتت بشكل خجول مؤقت وغير قابل للحياة. دوماً تسعى إسرائيل للحصول على تنازلات عسكرية وسياسية ومادية وجغرافية وتاريخية مهينة؛ حصلت عليها دون أن تقدم من جانبها شيئاً بالخير يُذكر. أساساً فالعقلية الإسرائيلية مليئة بالأحقاد التاريخية والمكر والخداع ومشحونةً بنزعة الانتقام.

هي أقرب إلى التعامل مع الآخر كخصم لدود على طاولة التفاوض، كما لو كانت الأمور تجري في ساحة حرب شرسة. الأوضاع العامة في المناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية تعج بالويلات والكوارث. هنالك تهديد حقيقي للإنسان الفلسطيني، في شخصه وبيته وأرضه ومستقبله.

تحاول إسرائيل إنهاء الوجود الفلسطيني ما أمكنها متبعةً منهجيةً توراتيةً فاشيةً تشع إرهاب دولة منظَّماً. المستوطنون القادمون بالأمس القريب من أصقاع الأرض، لاستباحة واستعمار المنطقة ونهب خيراتها، يعيثون في الأرض والإنسان دماراً وبطشاً وإرهاباً.

كذب الإسرائيليون على أنفسهم كذبةً صدّقوها ويريدون إقناع العالم وخاصةً العرب بها. تقول الكذبة الدعائية إن فلسطين الآن هي أرض الميعاد "السياسي" لليهود، وما على الأجناس الأخرى إلا الإيمان بها.

بات الشعب الفلسطيني بملايينه وتاريخه الطويل ضيفاً في "بيت كرَم" إسرائيل؛ ما على الضيف إلا أن يحزم أمتعته ويرحل في أية لحظة مواتية. اللحظة مواتية في نظرهم هي الآن، فالدولة العبرية قوية ولديها من وسائل الطرد والاقتلاع والترحيل ما يكفي لإنجاز المهمة.

تقترف البشرية جريمةً بشعةً كبرى بالاستمرار في السكوت على هكذا منهجية نشاز في الفكر البشري المعاصر. منهجية لم تكن تُتّبع حتى من قبل قدامى المستوطنين البيض في أميركا، ولا النازيين القدامى أو الجدد ضد الأجناس الأخرى.

الجسم البشري قادر وبشكل فعال على وقف هذه المجزرة بحق الإنسان والأرض والحضارة. الدعم الدولي وخاصةً المادي والعسكري لإسرائيل يجب التلميح بوقفه، على الأقل. تتبع ذلك خطوات عملية باتجاه تحقيق السلام العادل الدائم الثابت للأجيال في المنطقة والعالم.

في كل مرة يشكو الفلسطينيون آلام سلوك "درب السلام" مع إسرائيل يُطلَب منهم العودة ثانيةً للتفاوض المباشر معها. إذا ما دخلوا جولة تفاوض، يعرفون مسبقاً أنها فاشلة، يأتي إليهم قادة "الليكود والكاديما" متقدمين بطلبات تنضح إذلالاً وإحراجاً للذقون والعقول والقلوب والإرادات.

طلبات تهدف فقط إلى توطيد الكيان الإسرائيلي وتقويض ما تبقّى من التواجد البشري الفلسطيني المجرد تحت الاحتلال. تكفي مشاهدة طريقة "بنيامين نتانياهو" المزرية! في مصافحة أحد أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض؛ منها يعرف المرء أي نوع من التفاوض يجري داخل قاعات التفاوض مع موفدي هكذا متملق بالفاشية.

لا يمكن للفلسطيني الاستمرار في التفاوض في ظل هكذا أوضاع نفسية ومعنوية وسياسية واقتصادية مأساوية سائدة لا ترضي إلا الطرف الإسرائيلي. بسبب الأوضاع المحبطة السيئة من حولهم بذل الفلسطينيون كل ما بوسعهم لتسهيل قيام عملية السلام. شملت التنازلات الأرض وحقوق الإنسان، وقبلوا وذاقوا ويلات الذل والهوان.

بالمقابل زادت إسرائيل من إجراءاتها القمعية التعسفية الهوجاء. ما على المرء إلا أن يشاهد ما يجري على حواجز الجيش الإسرائيلي الأمنية في مواجهة أبناء فلسطين. إنها محاكم تفتيش شديدة البطش بالإنسان الفلسطيني روحاً ومعنى ونفساً وجسداً.

محاكم التفتيش هذه عصارة بائسة خليط من تصرفات النازيين والفاشيين والشوفينيين؛ عصارة فكر ظلامي نشاز بدأ منذ آلاف السنين، لاقت البشرية منه الويلات والتقتيل والدمار. آن الأوان، وكل يوم أكثر من أي وقت مضى، لوقف هذا النزيف الحضاري البشري.

 

Email