ما بين الجمال والبشاعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُخيلُ لي أحياناً بأن المرأة تحمل جينات معينة تحفزها لتظهر وتبدو جميلة في عين الرجل حتى أصبح هذا الأمر الهاجس الأول والأخير لدى معشر النساء في الآونة الأخيرة، وقد يعتقد أحدكم بأني أبالغ أو أتحامل كعادتي على المرأة، ولكنني هنا أتحدث بالأرقام والمنطق، وكما يقال دائماً بأن الأرقام لا تكذب، بل هي معيار يكشف الحقائق أكثر من أي شيء آخر.

أرقام مهولة ومخيفة أشارت إليها عدد من المصادر الإخبارية المتخصصة حول المبالغ التي تنفقها المرأة على مستحضرات وعمليات التجميل حول العالم، فلك أن تعلم بأن الخليجيات وحدهن أنفقن في العام الماضي ما يزيد عن 2 مليار دولار بالتمام والكمال على مستحضرات التجميل، وبالطبع يتوقع أن يزيد المبلغ عن ذلك بنسبة محترمة جداً في هذا العام.

أضف إلى ذلك فقد أصبحت عمليات التجميل المختلفة ما بين نفخ وشد وتعديل أنف وربط معدة عمليات عادية جداً تجرى بصورة يومية لدرجة أن الإنفاق على عمليات التجميل في الإمارات وحدها قد بلغ 100 مليون دولار في سنة 2011.

تتابع مسلسلات رمضان فيختلط عليك الحابل بالنابل من عمليات التجميل التي أجرتهن معظم الممثلات الخليجيات، لدرجة أنك تعتقد أنه تم استنساخ أكثر من واحدة فأغلبهن يحملن نفس الأنف والوجه والشفاه، ولا تختلف كل واحدة عن الأخرى إلا في التفاصيل الصغيرة، تلتقي بزميلات العمل أو سيدات تعرفهن وقد بالغن في مساحيق التجميل أو قد اجرين عمليات تجميل ليتها جعلتهن أجمل.

بل الطامة أنها عمليات تشويه أكثر منها تجميل، تتجول في المراكز التجارية فتستغرب من كميات المكياج التي تستخدمها الفتيات وكأنه من المستحيل أن تخرج إحداهن من بيتها دون أن تضع ما لذ وطاب منها.

إن الهوس المبالغ فيه بمستحضرات التجميل وتفتيح البشرة وعمليات التجميل يكشف عن وجود مشكلة حقيقية تواجهها المرأة خلال السنوات القليلة الماضية، تتمثل تلك المشكلة في رغبة المرأة أن تظهر بصورة جميلة بشتى الطرق والوسائل فتصبح المشكلة نفسية أكثر منها عضوية، فالبعض لديه إحساس وشعور بعدم تقبل جزء معين مثل الأنف أو الشفاه، فيسعى إلى تعديل هذا الجزء.

وهناك من تسعى إلى وضع مساحيق التجميل لتبييض البشرة أو تضع عدسات ملونة لتغيير لون العيون كي تصبح شبيهة بإحدى النجمات أو المطربات العالميات، وأخريات لديهن شعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس من خلال ما مررن به في فترة الطفولة والمراهقة فيحاولن تعويض ذلك باللجوء إلى عمليات التجميل والإفراط في استعمال المساحيق.

وهناك أسباب أخرى ليست نفسية بقدر ما هي مؤثرات أخرى خارجية، مثل تأثير صديقات الفتاة والبيئة المحيطة فتصبح عمليات التجميل والمبالغة في المكياج تندرج تحت ما يسمى بند البرستيج الاجتماعي، أو مثل تأثير الزوج الذي يتفنن في مدح الممثلات والمطربات بينما يرى زوجته مسخاً لا يستطيع التعايش معه.

كما أن وسائل الإعلام تبرز النجمات العالميات ومقدمات البرامج المختلفة على أساس أنهن القدوة والمثال الذي يجب الاحتذاء به في الشكل والصورة، يذكرني هذا بتحقيق عن التاتو (الوشم) نشر في إحدى الصحف المحلية، وقد تفنن المحرر في مدح وشم الحواجب وأجزاء أخرى من الجسم، والمضحك المبكي أنه أنهى التحقيق بقوله: إن الله جميل يحب الجمال!.

إن الغاية الأساسية من عمليات التجميل تتمثل في إصلاح العيوب والتشوهات الخلقية في الإنسان، وقد تكون على شكل عمليات شفط الدهون وربط المعدة حفاظاً على الجسم من آثار السمنة، إلا أن إجراءها لتغيير خلقة الله فقد اتفق عليه معظم العلماء بأنه غير جائز شرعاً خاصة عندما يكون القصد منه التجميل الزائد لزيادة الحسن والاستعراض أمام كل من هب ودب.

ومن المؤسف جداً أن الكثير من الفتيات لا يكترثن بتلك التحذيرات المتوالية عن خطورة إجراء عمليات التجميل دون داعي، إضافة إلى تجاهل التأثيرات السلبية التي تتركها مستحضرات التجميل على البشرة، ولكن كالعادة عندما يتعلق الموضوع بالحسن والجمال فأنت كم ينفخ في قربة مقطوعة.

نحن كبشر نخطئ كثيراً عندما نعتبر الجمال جمال الوجه والجسد، ونتناسى جمال النفس الذي يعتبر الأهم والمقياس الأكبر للإنسان في هذه الدنيا من خلال ما يقدمه من إبداع وتميز وسيرة طيبة بين الناس، فنحن في حياتنا اليومية نقابل الكثير من الأشخاص الرائعين الذين يتركون في حياتنا أثراً مع أنهم لا يتمتعون بأي نسبة من الجمال والوسامة.

وفي المقابل نلتقي بآخرين وأخريات يضرب بهم الوصف في الجمال ومع هذا في داخلهم نفس بشرية بشعة لا تطاق... كفانا الله شر هذه النفوس البشعة وأبعدنا بإذنه تعالى عن شر عمليات التجميل.

 

Email