أرمينيا أرض المياه المحملة بالماس

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ د. لويس عوض (1915 1990)، المفكر المصري المشهور كتابه المعنون: "ثورة الفكر في عصر النهضة"، والذي يتناول فيه أبرز المفكرين الغربيين الذين صنعوا عصر النهضة الأوروبي في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، أمثال دانتي وميكيافللي وغاليليو وإرازموس وغيرهم..

يبدأه في الحديث عن التاجر والرحالة الإيطالي المشهور ماركو بولو (1254 1325)، الذي ألهم برحلته إلى الصين الأوروبيين لارتياد البحار واكتشاف أرجاء المعمورة، والذي دشنه كريستوفر كولومبوس بعده بأكثر من قرن ونصف (1429) باكتشافه للعالم الجديد.

والعجيب أن ماركو بولو الإيطالي قد عاصر ابن بطوطة العربي (1302 1377)، لكن شتان بين ما آلت إليه أوضاع إيطاليا آنئذ من نهضة، وما كانت تنحدر به أوضاع البلاد العربية والإسلامية من جمود وانحطاط.

وقد تشكك كثيرون في صدق قيام ماركو بولو برحلاته التي استمرت خمسة وثلاثين عاماً، طاف فيها أنحاء كثيرة من الشرق الإسلامي ومناطق أرمينيا والقفقاس ومناطق نهر الفولغا في روسيا، ثم توجه شرقاً إلى أفغانستان وشمال الهند ثم أخيراً إلى الصين، ورجوعه عن طريق البحر صوب أندونيسيا وسواحل الهند وسيلان وشرق إفريقيا والعودة إلى منطقة مضيق هرمز في الخليج العربي، وذهابه إلى تبريز فجورجيا وعودته إلى البندقية، مسقط رأسه عن طريق البحر الأسود.

ولعل مبعث شكهم يكمن في أن ماركو بولو كان رجلاً أمياً، سجن في عودته ست سنوات في جنوا، وفيها أملى على زميل له في السجن اسمه روستيكان، وقائع رحلته التي سماها: "كتاب كوبلاي خان العظيم"، وروستيكان هذا كان فارساً يشتغل بتأليف الروايات الخيالية.

وما زاد الطين بلة، هو كثرة الروايات التي لا يصدقها العقل والتي حمّلها دفتي الكتاب، فهو مثلاً يحدثنا عن "جبال أرمينيا العالية وأخاديدها الغائرة، التي تتساقط فيها جداول المياه المحملة بالماس من أعالي الجبال"، أو عن تلك الجزيرة التي تقع شرق العالم والتي سماها زيباغو، وقصرها العظيم المبني من الذهب الخالص، والتي دأب كولومبوس ومن بعده المكتشفون الأوروبيون على البحث عنها دون جدوى!

غير أن المؤرخين فيما بعد أثبتوا صدق أخبار رحلته بعمومها، اللهم إلا تلك التي أضافها خيال روستيكان. فهو يتحدث عن رطوبة وحرارة منطقة هرمز، وعن النفط المتدفق في باكو، وكيف أن الناس تأتي من أقاصي البلاد لحمله لتستخدمه كزيت للاشتعال.

أما وصفه للصين ولإمبراطورها المغولي قبلاي خان، الذي حكم في الفترة من 1259 إلى 1294 والذي قابله في العام 1275، فلا تدع مجالاً للشك في صحة تلك الرحلة. وقد ساعد ماركو بولو قبلاي خان على توحيد الصين، وذلك أنه أدخل إلى سلاحه كرات المنجنيق التي كانت تستعمل في أوروبا لدك أسوار القلاع.

ولقد وجد ماركو بولو كوبلاي خان متزوجاً من أربع زوجات، يسميهن بالإمبراطورات، تخدم كل واحدة منهن 300 من الوصيفات، وحشداً آخر من الرجال، فكان البلاط يحوي عشرة آلاف شخص. ومن غرائب ما يسجله عن كوبلاي خان، أنه كان يصدر أوامره يومياً ومنها أمر يومئ للشمس أن تشرق (والعياذ بالله). وحين شاخ كان يخشى أن يتأخر في النوم، فكان يكلف أحد رجال البلاط بتلاوة هذا الأمر الفلكي حتى لا يختل نظام الكون!

ويسجل ماركو بولو أن مجلس كوبلاي خان، يعج بالأجانب من نساطرة سوريا ومن العرب ومن البنادقة ومن أهل جنوا. ومن أطرف ما يرويه أن كوبلاي خان هذا كان كثير السأم، وكان يبدد هذا السأم بدعوة اليهود والمسلمين والمسيحيين والسحرة الوثنيين، ويجعلهم يتجادلون أمامه في الدين، ويهب المنتصر الهدايا!

وقد جمع هذا الحاكم أموالاً طائلة من تجارة الجملة، وجمع كنوزاً مقابل عملة ورقية ابتكرها ولم تكلفه شيئاً، فكان بذلك أول ملك ابتكر العملة الورقية. وكانت العملة الورقية عبارة عن شرائح مربعة من لحاء شجرة التوت، وقد طبع عليها الخاتم الإمبراطوري.

وقد أساء خلفاء كوبلاي خان استعمال إصدار العملة الورقية، فنشبت ثورة في العام 1359، وبعد عشر سنوات انتهى حكم المغول للصين!

Email