حروب بلا تلاعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في إطار إدلائها بشهادتها أمام لجنة مجلس الشيوخ الأميركي قبل بضعة أشهر، تحسرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على الحقيقة القائلة إن الولايات المتحدة "تخوض حربا معلوماتية"، وأنها تخسر هذه الحرب. ومؤخرا أعربت كلينتون عن غضبها في اجتماع "أصدقاء سوريا" في باريس، قائلة إن روسيا والصين يجب أن "تدفعا ثمن" عدم دعمهما تغيير النظام في سوريا.

وإليكم الفكرة التالية: ماذا عن استخدام قوة الحقيقة من أجل إنجاز الأمور بدلا من التستر والتلاعب؟

إن روسيا والصين لا تتبعان السيناريو الأميركي لسبب واحد، وهو أن لكلتيهما مصالح اقتصادية كبرى في سوريا، وأنهما تنظران بحق إلى أي محاولة لتغيير النظام على أنها محاولة من جانب أميركا لسرقة غدائهما.

وليس هذا الوضع مماثلا للوضع الليبي، حيث وقع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، الذي أصبح أساسا حليفا لأميركا في مكافحة الإرهاب في أعقاب غزو العراق، على مذكرة وفاته الخاصة عندما أخذت قبضته الحديدية ترتعش لسماع زئير الربيع العربي، الذي أطاح بصديقه في تونس، زين العابدين بن علي، وبقادة مصر واليمن، فدخلت الانتفاضة التي شهدتها ليبيا لاحقا ضمن ذلك المناخ من الاحتجاج الجماعي. ولو كانت القوات الغربية متورطة في إشعال شرارة الاضطرابات منذ البداية، إذن لاستطاع الغرب أن ينكر ذلك من خلال الظهور بمظهر من يتدخل تحت ذريعة إنسانية.

وحين بدأ القذافي يشعر بفقدانه للسيطرة، عمد إلى القيام بما يقوم به كل مهووس بالسيطرة: أصيب بالهلع، وراح يتخذ إجراءات قمعية، فأتاح ذلك لدول حلف شمال الأطلسي استحضار "مسؤولية الحماية" المنوطة بهيئة الأمم المتحدة، وتمثلت النتيجة النهائية في تغيير النظام. والسبب هو سياسة القمع التي اعتمدها القذافي، ظاهريا على الأقل.

من الواضح أن ما يثير شعور كلينتون بالإحباط، هو حقيقة أن إلحاح الربيع العربي انتهى منذ أمد بعيد، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع التصورات المواتية. وكل ما تبقى لدينا الآن هو أدلة دامغة على وجود مرتزقة ممولين ومدربين من قبل الغرب، يسببون المتاعب للرئيس السوري بشار الأسد، مما يصعب على العالم معرفة ما إذا كانت الحملات العسكرية القمعية، تمثل وسيلة للدفاع عن النفس ضد ما يمكن أن يعتبر نشاطا إرهابيا. ومن جهة أخرى، فإن وزارة الخارجية الأميركية تمول جماعات مختلفة، لدعم السبب الإنساني لتغيير النظام!

ولكن ما الداعي للاكتراث بكل هذا التستر والتذرع؟ ألم تر كلينتون إحصاءات البطالة؟ ينبغي لها أن تكف عن التصرف وكأن الاقتصاد لا يشكل سببا وجيها للقيام بعمل عسكري. والوقت الحالي هو أنسب وقت لأن تنهض وتقول إن أميركا والغرب يخوضان حربا اقتصادية ضد الصين ونفوذها، وإن الأميركيين يخسرون وظائفهم، والدولة تخسر قاعدتها التصنيعية للصينيين، الذين يجنون بضعة سنتات فقط في الساعة، ويعيشون في مساكن جماعية، إلى أن يأتي اليوم الذي يقفزون فيه من النافذة لأن حياتهم بائسة للغاية.

كوني صادقة بشأن حقيقة أن النفط والغاز يشكلان بقرتي سيولة هائلتين، وصناعتي نمو للمستقبل، وأنهما سيوفران فرصا للتوسع الاقتصادي في الخارج، ستزدهر حولها الصناعات الأخرى. أوضحي أن الصين وأميركا وحلفاءهما يتقاسمون الكعكة العالمية، سواء رضي الناس بذلك أم لا، وأن الوقت قد حان لتقرري من تفضلين أن يكون رئيسا لك. وكما قال الاستراتيجي العسكري كارل فون كلاوز فيتز ذات مرة، فإن الحرب ليست سوى امتداد للسياسة بوسائل أخرى. ولا يمكن لأحد أن يشك في أن الغرب في حرب دائمة مع الصين على النفوذ الاقتصادي العالمي والهيمنة.

وبالطبع، فإن هناك مشكلة واحدة، وهي أن الصين تمثل أكبر مالك أجنبي للديون الأميركية التي تم تسجيلها على الملأ، إذ تحوز على حوالي 8% منها، أو 1,2 تريليون دولار. ولكن في كلتا الحالتين، فإن غزو سوريا - عن طريق المرتزقة أو غيرهم - سيغضب الصين لأنها لن تحب النتيجة النهائية. ويتعين على كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما وهيلاري كلينتون، أن يقررا ما إذا كانا سينزعان الضمادة ببطء أو بسرعة. ولكن هناك أمرا واحدا مؤكدا؛ إذا استمرا في خسارة نفوذهما للصين، فإن ذلك الوضع سيستمر في التدهور، مع امتلاك الصين للمزيد والمزيد من الديون.

ولكن ما الداعي للامتناع عن توضيح ذلك كله للناس؟

إن هذه العملية المتمثلة في محاولة إقناع الناخبين، من خلال التذرع والتلاعب العقلي، بالموافقة على كل عمل عسكري، باتت مملة. فمن المتعب أن نرى أشخاصا يمثلون وزارة الخارجية الأميركية، يلاعبون الماعز ويقبلون الأطفال في الدول الأجنبية، فيما يتظاهرون بأن أي فرص اقتصادية ناتجة لن تكون سوى تتويج للعملية.

نحن لسنا أغبياء، فابتعدوا عن الماعز، وأنزلوا الطفل، وقولوا الحقيقة ببساطة.. وقد تسركم ردة الفعل. حينها، عندما تنتقل أرض المعركة إلى السودان أو نيجيريا أو غيرهما للأسباب نفسها ـ وهو ما سيحدث حتما ـ فإن حياتكم ستكون أسهل بكثير، لأن الحقيقة والمنطق، على أقل تقدير، سيكونان في صفكم.

Email