الرئاسة الأميركية وسرد القصص

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو كان بوسعنا جميعاً أخذ استراحة من الأخذ والرد اللاهثين بشأن "فضيحة بين غيت" للحظة واحدة، لوجدنا أن نقاشا أكثر جدوى خرج من مقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع تشارلي روز، التي بثتها شبكة "سي بي اس" مؤخرا.

لقد استخدم الرئيس الأميركي العديد من العبارات التي طالما رددها، قائلاً إن "هذه الحملة ما زالت تدور حول الأمل... وحول التغيير"، وإنه "استهان بالدرجة التي تتفوق بها السياسة في هذا البلد على حل المشكلات". ولكن الأمر أصبح مثيرا للاهتمام بحق، عندما تطرق الحوار إلى ما يعتبره الرئيس الأميركي أكبر خطأ ارتكبه خلال فترته الرئاسية الأولى.

وتمثل ذلك الخطأ، حسب قول أوباما، في "الاعتقاد بأن هذا المنصب لم يكن يتعلق إلا بتصحيح السياسة".

فما المطلوب عدا ذلك إذاً؟ لقد قال أوباما: "إن طبيعة هذا المنصب تتمثل أيضا في سرد قصة للشعب الأميركي تمنحه الشعور بالاتحاد والهدف والتفاؤل، لا سيما في الأوقات الصعبة". وذلك هو الوصف الدقيق لأحد العناصر الرئيسية الغائبة عن السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية: سرد القصص.

وفي حين أن أوباما شخّص المرض تشخيصا دقيقا، فإنه لم يطبق وصفته الطبية الخاصة، حيث أعطتنا حملته دورة مكثفة حول آفات "باين كابيتال" وأنواع الممارسات التجارية التي لا ينبغي أن تحدث، ولكنه لم يعطنا رواية بديلة عن نوع الرأسمالية التي يجب أن ترسم شكل أميركا فيما نحن نخرج من الأزمة المالية، إن فعلنا ذلك.

ولكن بطبيعة الحال، فإن حملة ميت رومني لم تفعل ذلك أيضا. فقد تأكد افتقارها إلى الكفاءة في ما يتعلق بهذا الموضوع، حين ردت على مقابلة روز بقولها: "إن الرئاسة لا تتعلق بسرد القصص، وإنما بالقيادة".

وبالتالي فإن أوباما لم يطبق وصفته، ولكن رومني لم يزل يجهل حقيقة أن المنصب الذي رشح نفسه له، ليس منصب الرئيس التنفيذي للبلاد. ويعتبر سرد القصص عنصرا أساسيا في إيصال الأفكار والقيم، وجزءا لا يتجزأ من القيادة، وخصوصا القيادة من المكتب البيضاوي.

وكما قال المنتج السينمائي بيتر جوبر، وهو مؤلف كتاب "اسرد لتفوز: تواصل واقنع وانتصر بالقوة الخفية للقصة": "يشكل سرد القصص الهادفة بالتأكيد أنجع وسيلة للإقناع في الحياة اليومية، والطريقة الأكثر فعالية لترجمة الأفكار إلى أفعال". وترجمة الأفكار إلى أفعال تمثل، بالطبع، جوهر عمل الرئيس.

لذا فإن ذلك هو بالضبط ما يجب أن يدور حوله موسم الحملات الانتخابية؛ قصة يرويها لنا كل مرشح ليبين لنا أين يعتقد أننا نقف كدولة، والأهم من ذلك، إلى أين يريد أن يمضي بنا؟ والطريقة الأمثل، بل الطريقة الوحيدة، للقيام بذلك هي السرد.

وكتب درو وستن يقول: "إن القصص التي يخبرنا بها قادتنا تكاد تضاهي في أهميتها القصص التي أخبرنا بها آباؤنا عندما كنا أطفالاً، لأنها توجهنا إلى كل ما هو موجود، وكل ما يمكن أن يكون، وكل ما يجب أن يكون، وإلى ما يتبنونه من رؤى وما يقدسونه من قيم".

ويمثل سرد القصص، باعتباره عملة الاتصال البشري، الكيفية التي نتواصل بها جميعا مع بعضنا. فنحن لا نجلس مع أصدقائنا وأحبائنا ونتبادل الإحصاءات وشرائح الـ"باوربوينت"، ولكننا نتبادل القصص.

وفي الحقيقة، فإن ذلك خارج عن إرادتنا. وقد كتب بيتر جوبر يقول: "ليس سرد القصص، كما تبين مؤخرا، أمرا اختياريا، بل هو ضروري، وحاجتنا إليه تعكس طبيعة الخبرة الفكرية، وهو جزء لا يتجزأ من الدماغ نفسه". وتؤكد بحوث علم الأعصاب الأخيرة صحة كلامه، وتظهر أننا مبرمجون لاستخدام السرد في فهم العالم.

وتوصل عالم الأعصاب مايكل غازانيغا، الذي يدرس وظائف نصفي الدماغ، إلى الطريقة التي يقوم من خلالها الجانب الأيسر، الذي يسميه "المترجم"، بأخذ الخليط من البيانات والمعلومات الحسية التي نواجهها، وتحويلها إلى رواية.

وكتب جيسون غوتس من منتدى "بيغ ثينك" يقول: "يشتبه غازانيغا في أن ترابط السرد يساعدنا على أن نعرف مكاننا من العالم؛ من أين أتينا وإلى أين نمضي، وهو يخبرنا أين نضع ثقتنا ولماذا".

فإذا كان ذلك الجزء من الدماغ الذي يخبرنا أين نضع ثقتنا يقوم كله على السرد، أفليس من المنطقي إذاً أن أي مرشح يطلب منا تلك الثقة، يحتاج إلى تلبية حاجتنا إلى ما يسميه رومني باستخفاف "سرد القصص"؟ هذا صحيح، خصوصا في أوقات الأزمات والمراحل الانتقالية.

 وعلى مدى العقد الماضي، شهدت أميركا أزمات غير عادية، ليس أقلها فشل كل مؤسسة وضع الأميركيون ثقتهم فيها. وفي حال لم يملك مرشح ما رواية مقنعة لما حدث، فكيف يمكننا أن نثق بأنه سيخرجنا منه؟

وخلافاً لرومني، فإن أوباما يدرك على الأقل الحاجة إلى السرد. فلا تزال الخلافات الأساسية بين وول ستريت ومين ستريت بلا حل، وهي لم تؤطر بعد في رواية تعطي الناس الثقة بأنها ستحل قريبا. وليس من شأن محورة الحملة بأكملها حول "بين كابيتال" أن تفعل ذلك.

ويقول كاتب السيرة والمؤرخ ديفيد مكولوغ: "كل انتخاب رئاسي يشكل تجديداً. فهو، شأن فصل الربيع، يجلب جميع أنواع النسغ. لقد سئم الشعب من الاختراع والتلفيق والهراء، وهو يريد حقاً أن ترفع معنوياته، وحينها فقط نكون في أفضل حالاتنا".

Email