الربيع العربي وعسر ولادة الديمقراطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حراك الربيع العربي يبدو وكأنه يسير حسب تسلسل مبرمج أُعدّ مسبقاً، سلوكياً وزمنياً. جل الدول التي مر أو يمر الآن أو سوف(!) يمر عليها الربيع، هي على قائمة الدول أو الأنظمة النشاز. بالإضافة إلى الطبيعة الشمولية والفساد المستشري فيها، فهي أنظمة عاقّة للسياسات الغربية؛ الأخيرة بخيرها أو شرها.

الشعوب وطاقاتها ومقدّراتها وعناصر قوتها، هي في مرمى الهدف شبه المعلن لمنح شهادات نجاح ثورات الربيع العربي! قبل إعلان نجاحه في اليمن، ترك الربيع العربي دولةً تعيش في ظلام العهود الحجرية، إلى حد كبير. بالإضافة إلى اقتصاد منهَك، أتى الربيع العربي في مصر، بمجموعة من الحكام الجدد من السهولة بمكان وضعهم تحت المجهر والتحكم فيهم وإرباكهم، عن قرب وعن بعد.

الربيع الليبي ترك بلداً محطّم البنية التحتية والمؤسسات، يجاهد أهله للنهوض بأنفسهم من جديد. الربيع العربي قادم إلى السودان، وكما يبدو سيمزقه شر ممزق، بعد اقتطاع الجزء الجنوبي الجيواستراتيجي ذي الأهمية الخاصة منه، قبل فترة وجيزة. الشعوب والدول العربية الأخرى المرشحة أو التي تنتظر على قائمة التغيير، تواجه مصائر مثيرةً للقلق والتكهنات؛ من حيث وحدة الشعوب والتراب الوطني لكل منها.

التدخل الخارجي حاسم وضروري لإنجاح الحراك العربي في اتجاه التغيير، مع تحمُّل تبعات هذه الخاصية. لم يكن ثوار ليبيا قادرين على مواجهة النظام المدجج بالسلاح المتطور، لولا المظلة الجوية الأطلسية، والدعم الدولي الحاسم المصاحب، اللوجستي والسياسي والمعنوي والإعلامي.

الأمر ذاته بالنسبة للثورة السورية، التي تلاقي دعماً فعالاً حاسماً من الدول المحيطة والشقيقة والصديقة عبر العالم. الشعب السوري فيما بعد إسقاط النظام، سيكون مديناً بعمق لتلك المساعدات، رغم الأصوات التي تنكر ذلك الدعم، وتزعم أن الثورة السورية يتيمة وتقوم بعبء الثورة بنفسها. صحيح أن الثورة السورية تقوم بمهمة شبه مستحيلة لزحزحة النظام المتمرس أمنياً والقائم منذ عشرات السنين، إلا أنها لن تتمكن من ذلك إذا ما نُحِّيَ الدعم الخارجي جانباً.

الأنظمة المُزاحة حتى الآن، لم تكن لتسقط لولا تخلي القوى العالمية عنها، بادئ ذي بدء؛ دارت عليها الدوائر في الخارج والداخل.

هنالك قلق حقيقي من أن الربيع العربي، إن نجح بعد هذه الولادة العسيرة المشبعة بالدماء، سوف يأتي بأنظمة مشتتة ومتباينة التركيز، أنظمة حديثة العهد بالتغيير والديمقراطية من ناحية التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع.

عاشت المعارضة التي بدأت تتولى الحكم الآن، معظم وقتها في الخارج، تود تقليد ما رأته وعاشته في بلاد الديمقراطية، دون تجربة أو خبرة في الحكم كافية. كثيراً تجهل ما حدث منذ عقود في بلادها، والآن تتبع خطوط السياسات الأجنبية المتحكمة، تقريباً خطوةً بخطوة.

هنالك مخطط لتسيير نتائج الربيع العربي، وجعله في يد الدول والأنظمة التي ساعدت وتساعد في تنجيح ربيع التغيير. التوقعات تشير إلى أن الدول الخارجة من تحت نير الأنظمة المستبدة، ستخضع لإملاء الدول المسيطرة على الساحة الدولية.

بشكل أو بآخر، تنتظر الأنظمة الجديدة في الدول العربية تعليمات من الدول المسيطرة. لا غرابة في ذلك، فالربيع العربي "الناجح" يترك اقتصاداً معطلاً مدمَّراً في كل منها.

التخلف والركود الاقتصادي والفوضى والبطالة والتبعية، هي الميزات شبه السائدة الحاصلة والمتوقعة. على الرغم من هذه النظرة السوداوية لما جرى ويجري حتى الآن، إلا أن هناك هامشاً لا بأس به من التفاؤل. عادةً ومن بين ركام الحروب الأهلية والثورات، نهضت وتنهض أنظمة وقوى عملاقة. الأمثلة على ذلك كثيرة؛ مثل الثورات الفرنسية والصينية والشيوعية والأميركية.

من يقدر أن يجزم بما يخبئه المستقبل للشعوب العربية التي تبدو الآن مثل الأيتام على مآدب اللئام؟! مآدب الدول الغربية لا تقدر الآن أن تقدم الكثير من المساعدات الملحّة المستعجَلة، بسبب انشغالها بأزماتها الاقتصادية والمالية الداخلية المستفحلة.

حرية الشعوب لا بد أن تأتي بعد مرحلة من المخاض، قد تكون طويلةً صعبةً أو قصيرةً سهلةً. ثمة يجب على الشعوب وأنظمتها الثورية الجديدة، أن تخوض تجارب تؤدي بها أخيراً إلى تطبيق الديمقراطية الحقيقية، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

هنالك عدد من الشعوب العربية الثائرة مرشحة مستقبلاً(؟) لكي تصبح قوى أساسية دوليةً فاعلةً؛ بمفردها أو متعاونةً موحدةً، أسوةً بالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الروسي وغيرها.

Email