قطار السلام مع إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلا أدنى شك، تقف إسرائيل عقبةً كأداء في وجه أي تحرك يهدف لتحريك قطار السلام مع العرب.. المتوقف منذ عقدين من السنين تقريباً. المجتمع الدولي، وخاصةً الغربي الفاعل، يقف مكتوف الأيدي عاجزاً عن القيام بأية خطوات إيجابية لزحزحة الموقف الإسرائيلي المتعنت.

لا تزال إسرائيل تتصرف خارج القانون الدولي وبروتوكولات حقوق الإنسان واتفاق أوسلو. تقوم بإجراءات أحادية الجانب، سادية، تجعل الطرف الند لها في حالة من الحرج والإحباط والانتكاس.

منذ احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1967، بدأت إسرائيل، وتواصل الآن، الاستيطان العرقي هناك. الأمر الواقع الآن، هو أن عدد المستوطنين وقوتهم السياسية والديمغرافية والاقتصادية جميعاً، باتت من الضخامة بمكان.

 كل مستوطنة تمثل خليةً أو وحدةً اجتماعيةً اقتصاديةً أمنيةً فاعلةً، كجزء أساسي من الكيان الإسرائيلي التوسعي. يُملي المستوطنون إرادتهم ونزواتهم على أية حكومة إسرائيلية، من فئتيْ الحمائم والصقور.

في المقابل تمت محاصرة الطرف الفلسطيني في الداخل والخارج، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وتمويلياً، لدرجة تصل إلى الإجهاد التام.

المستوطنون يتحكمون في السياسة الداخلية والخارجية الإسرائيلية، وبشكل شبه مطلق. إذا ما أرادوا، فهم قادرون على تشكيل كيان سياسي اقتصادي في الأراضي المحتلة، مستقل (ولو شكلياً) من طرف واحد. كيان عنصري فاشي، قادر على إيقاف عجلة النشاط الاجتماعي الاقتصادي والأمني الفلسطيني، تدعمهم إسرائيل بجبروتها العسكري والاقتصادي الإقليمي.

الأنشطة الاستيطانية تهدف إلى محاصرة الفلسطينيين في أحوالهم المعيشية، وقطع التواصل البنّاء بينهم وبين الدول العربية المجاورة. من الأنشطة ما يحول بين الفلسطينيين وبين خيراتهم ومقدراتهم الطبيعية، وحتى البشرية.

لا تريد إسرائيل أن ترى جسماً بشرياً سياسياً ينهض من بين ركام العصور السابقة، بما فيها من أزمات وكوارث وحروب ومؤامرات. لا تريد أن تضع في حسبانها، أنه قد يأتي يوم تضطر فيه لتقديم تنازلات من مثل ما كان يُعرف بالأرض مقابل السلام، "أرض عربية محتلة مقابل السلام".

ترفض إسرائيل التفاوض والتعامل والتعاون مع الفلسطينيين على أساس الندية المتبادلة. تعتبر التفاوض معهم مشروطاً بتقديم المزيد من التنازلات العربية والإسلامية، بعد أن نفدت الفلسطينية منها.

تريد ترسيخ نفسها كأمر واقع في أذهان كافة العرب والمسلمين، دون تقديم أية استحقاقات من جانبها، مهما كانت سطحيةً. أهم تلك الاستحقاقات هو ما يخص وضع القدس الشرقية كمدينة محتلة، ومصيرها الديمغرافي والسياسي، وحقوق اللاجئين والمياه والحدود، وماهية الدولة الفلسطينية المستقلة.

الأوضاع السياسية والإدارية والمعنوية الفلسطينية مثبِّطة، بسبب تبعات الإجراءات العدائية الإسرائيلية المتواصلة. العنصرية والفاشية الإسرائيلية، تتجلى في أبشع صورها ضد شعب أعزل، تتم محاصرته في بيته وشارعه وقريته ومخيم لجوئه. باتت الأمور الإدارية والاجتماعية المحلية، في أيدي مجموعة من المستوطنين الذين يودون اقتلاع الوجود الفلسطيني من أرضه.

تؤسس إسرائيل لإدخال مواد تعليمية للأجيال في المنطقة، تنادي باستعادة "حقوق اليهود" في المنطقة، وطمس فكرة المناداة بحقوق الفلسطينيين. تستعين في ذلك بعقيدة تلمودية عفا عليها الزمن، وسكوت سياسي غربي، وتقاعس أو انهزامية عربية وإسلامية متواصلة في التنامي.

الساحة العربية والإسلامية، وحتى الدولية المساندة، باتت منشغلةً بما يجري فيها من تطورات. منها ما يختص باستحقاقات ربيع التغيير، والذي تدفع فيه الشعوب قسطاً عالياً في سبيل تحررها من قبضات الأنظمة المستبدة. ثمة نتيجةً لربيع التغيير، باتت الأوضاع العربية مختطَفةً، بل رهينةً في أيدي الدول المسيطرة على الساحة، والأحوال العامة أكثر مدعاة للتشاؤم منها للتفاؤل.

ذلك ما يجعل إسرائيل تشعر بأنها تسيطر بشكل مطلق على مسار ومصير المفاوضات، التي كان من المفترض أن تتجه بالأمور نحو السلام الإيجابي منذ عهود!

الأطراف الدولية الغربية الآن، لا تعير انتباهاً لما يجري، اللهم إلا في المواسم الانتخابية، حيث تكثر الخطابات التي تهدف إلى كسب أصوات الناخبين، من هذه الجهة أو تلك.

Email