أسد عليّ وفي البيت دجاجة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترجل من سيارته بعد أن توقف على الإشارة الحمراء، اقترب من السيارة الأخرى طالباً منه إنزال نافذة السيارة، كان منظره يوحي بأنه يضمر الشر لا محالة، ارتعدت فرائص الجالس في السيارة من هذا الوحش الكاسر، تردد في الاستجابة لطلبه لولا أنه خشي من أن تخترق يده زجاج النافذة فينتزعه انتزاعاً من داخلها.

وجد نفسه مضطراً لإنزال النافذة قليلاً ولاسيما أن الواقف في الخارج يرتدي الزي العسكري، في البداية اعتقد أنه مجرد شرطي لم يصل لرتبة ضابط، إنما أسلوبه في الحديث وطريقته العنيفة جعلته يشك في أنه مصاب بعمى الألوان وضعف في النظر منعاه عن تمييز رتبته العسكرية الكبيرة .

وتلك النياشين التي تثقل الجانب الأيمن من قميصه العسكري، ولكنه تذكر أنه قد أجرى فحصاً للنظر قبل عدة أيام لتجديد رخصة السياقة فأيقن أن عينيه لم تخدعاه بل كان بالفعل يحمل أقل رتبة من رتب الشرطة.

استمر الشرطي في لهجته الحادة والتهديد والوعيد دون أن يعرف صاحبنا ما الذنب الذي اقترفه بحقه أو بحق نفسه أو بحق الطريق، كان يحرك رأسه يمنة ويساراً مع حركة يد الشرطي حتى كاد يسقط العقال من على رأسه، شعر حينها بأنه طفل على وشك البكاء لولا أن تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة.

تغيرت الإشارة المرورية على التقاطع للون الأخضر، ورغم ذلك لم يتجرأ أي من السائقين الذين كانوا خلفه على تنبيهه خشية أن ينتفض أو ينقض عليهم، بل كان السائقون بكامل هدوئهم كـأنهم مستمتعون بما يحدث في الشارع.

لم يعرف صاحبنا ما المشكلة بالضبط فأسلوب الشرطي العنيف منعه من السؤال كي لا يلقى ما لا يسره، ورغم ذلك تأسف له أملاً في أن يصفح ويعفو عنه، فالعفو من شيم الكرام دون أن يعرف سبب غضبه وثورته، وبعد أن هدأ قليلاً علم بأن الشرطي قد غضب من صاحبنا هذا لأنه قد تجرأ على تنبيهه بالضوء العالي عندما كان يقود سيارته الخاصة، وليست سيارة الشرطة، بسرعة بطيئة على المسار السريع!

حدث هذا الموقف لأحد الأصدقاء في إحدى الدول الشقيقة قبل عدة سنوات، ومع هذا لا يمكن أن يبارح ذاكرته مهما امتد به العمر، دائماً يؤكد بأنه قد كان موقفاً فردياً لا يمثل الجهة التي ينتمي لها هذا الشرطي، إنما هذا يجعله يعتقد ويؤمن بأن الكثير من الشخصيات التي نتعامل معها في حياتنا اليومية لا تختلف كثيراً عن هذا الشرطي الذي استغل القوة الممنوحة له من القانون.

نصادف في حياتنا وأعمالنا وفي العديد من الجهات الحكومية والخاصة نوعيات مشابهة من الموظفين المتسلطين الذين يمارسون مهام عملهم بأسلوب فوقي وبطريقة غير حضارية مع المراجعين، تجد الواحد منهم يتحدث من منطلق القوة والسلطة والهيمنة باعتباره الشخص الذي يملك القرار بجرة قلم.

وأذكر أني لاحظت موظفاً بسيطاً يعمل في إحدى الجهات وكان كثير المشاكل مع المراجعين بأسلوبه الاستفزازي وقد كثرت عليه الشكاوى، وتصادف يوماً أن أبلغت مسؤوله المباشر بأن هذا الموظف لا يصلح لتخليص معاملات المراجعين لأنه لا يتمتع بطول البال، إضافة إلى طريقته الاستفزازية في الرد على المراجعين.

نظر إلي المسؤول مستغرباً فقال مدافعاً: هذا إنسان بسيط وطيب، وأنا اعرفه من خارج العمل لأنه هادئ جداً ولا شأن له بأحد، فقلت: هذا الإنسان البسيط الذي لا يفتعل أي مشكلة في الخارج بينما أسلوبه هنا مختلف من خلال التعامل مع المراجعين يعوض النقص والضعف الذي يعاني منه، ولهذا لا يمكن لهذه النوعية من البشر أن تلقى قبولاً من المراجعين.

فهو يرى كل من يختلف معه في الخارج خصمه الذي لا يستطيع مواجهته إلا في العمل فيتعامل معهم بأسلوب فظ واستفزازي، وهو في الحقيقة أسد على المراجعين وفي الحقيقة تجده في بيته أو خارج العمل دجاجة!

شخصياً أعتقد بأن الموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور والمراجعين يجب أن يخضعوا لدورات مكثفة في كيفية التعامل مع الجمهور، ويجب أن يتم تقييمهم نفسياً بين الحين والآخر إضافة إلى قياس مدى رضا الجمهور عن طريقة تعامل الموظف، فكم من مشكلة قد دفع ثمنها المراجع بسبب تعنت وتسلط هذه النوعية من الموظفين، وفي الختام نسأل الله أن يكفينا على الدوام شر هذه النوعية من الموظفين.

 

Email