اختلاط الحابل بالنابل في ربيع التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحالة التي وصلت إليها الشعوب في ثوراتها على الحكام، تثير الجدل والقلق، وتطرح الكثير من التساؤلات حول ما ستؤول إليه الأمور.

الأوضاع في مصر باتت أقرب إلى الترقب والأمل الحذريْن منها إلى اليقين؛ الجميع يصلي أملاً بالوصول بمصر إلى بر الخلاص من إرث النظام المخلوع، وليس البائد بعد، داخلياً وخارجياً.

في اليمن لم تزل الأوضاع الأمنية تراوح مكانها، تم كشف النقاب عن كوارث اقتصادية كان نظام الرئيس المخلوع يأبى مواجهتها والتعامل معها. الأوضاع في تونس وليبيا تتجه نحو التفاقم، بسبب الصراع القديم الجديد المحتدم بين مختلف الفئات.

أحوال سوريا تتجه للأسوأ بسبب تراخي المجتمع الدولي عن التدخل السريع لصالح الحسم الإيجابي للأمور؛ الشعب السوري يتجه نحو كارثة اجتماعية-اقتصادية طويلة الأمد. بالنسبة للعراق فالحديث بلا حرج عن ما آلت وما ستؤول إليه الأمور.

 لم تزل تبعات التغيير تنتثر في الجوار القريب والبعيد، بسبب امتدادات الفسيفساء الطائفية في المنطقة خارجياً. الحساسية والنعرة الطائفيتان، تقفزان الحواجز والحدود لتستقرا في المجتمعات التي كانت تشهد هدوءاً نسبياً؛ هدوء بات مطلوباً بحدة في الدول التي مر ويمر عليها ربيع التغيير.

لا غرابةً في ذلك، فمعظم حركات التغيير العربية تعمل دون رؤوس مدبرة مقبولة على نطاق واسع؛ قيادات ذات شعبية كافية لقيادة كتل جماهيرية واسعة، تقودها نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والاستقلال الحقيقي. التدخلات الخارجية، الخفية والعلنية، يود أصحابها توجيه دفة قارب التغيير في الاتجاه الذي يرونه مناسباً، أو بالأحرى الذي يخدم مصالحهم أولاً وقبل كل شيء.

بما وصلت إليه الأوضاع العامة، فالكتل الجماهيرية العربية تثبت حقيقةً أنها ليست ناضجة تماماً لتقبّل الديمقراطية، المستوردة منها أو حتى النابعة من ثنايا المجتمع الراهن. المجتمعات العربية لم تكن لديها خطط للتحول الديمقراطي السلس، خاصةً بالنسبة للمناهج التعليمية المدرسية والجامعية، والوسائل الإعلامية العامة والخاصة.

الأنظمة السياسية المخلوعة، حتى الآن، نفسها كان قد طاب لها المقام في الحكم، شعرت بأنها باقية في مناصبها للأبد بفضل الطبقة السياسية والأمنية المحيطة بها؛ نخبة خاصة مختارة من المستشارين السياسيين والأمنيين والإداريين والقانونيين.

الديمقراطية المستوردة تثقل كاهل الشعوب؛ أقرب مثال على ذلك ما جرى في العراق وما سيجري! في سوريا كقياس على ذلك. المخططون الخارجيون، والمعارضون للأنظمة، أدخلوا نظام المحاصصة السياسية لدى كتل بشرية تمجّد الأدبيات والأشعار والأغاني والشعارات الطائفية.

استغلوا توق الشعوب للتغيير بأي ثمن، ومازجوا السياسة والسلطة بالدين والمذهب والعِرق والثروة. مزيج، بل خلطة اجتماعية بشرية متأزمة، وقابلة للتفاقم في اتجاه الأسوأ؛ طريقها ذو اتجاه واحد يؤدي بالأوضاع فقط إلى مزيد من الانقسام والتشرذم والفوضى الهدامة.

طريق يؤدي بالكتل البشرية الدهماء، إلى حروب أهلية ساخنة وباردة طويلة الأمد. هذه تجربة كانت وُضعت في دساتير بعض الدول، نتج عنها تخندق طائفي أصبح الأساس في تعامل الكتل البشرية المختلفة طائفياً بعضها ببعض.

لا يكاد يلوح في الأفق ما يدل على أن الأوضاع في العالم العربي تتجه نحو الأفضل. من الصعوبة بمكان أن تترك القوى الخارجية وأتباعها في الداخل، الأمور تسير وِفق هوى القيادات الثورية الجديدة.

لا يعني ذلك على الإطلاق تحبيذ العودة للأنظمة الشمولية والتوريث رئاسي المصدر، لكن الموقف يستدعي من الجميع، في الداخل والخارج، التعقل والحذر مما يُخطَّط له في الخفاء ويُنفَّذ في العلن.

العون الخارجي السياسي والاقتصادي والعسكري للشعوب العربية التواقة للتغيير، ليس هبةً أو إكراميةً تُعطى دون مقابل، على الرغم من الحاجة الماسة والحيوية له بسبب شدة بطش الأنظمة المستبدة بشعوبها.

على قيادات ورؤوس حركات التغيير، التفكير ملياً في الظروف السياسية والميدانية المحيطة. عليهم تجيير تلك الظروف في سبيل التخفيف ما أمكن من الخسائر الجسيمة، خسائر باهظة تتكبدها الشعوب في الطريق لنيل حريتها وكرامتها واستقلالها، والاستحواذ على ثرواتها ومقدراتها ومصيرها.

Email