لماذا تخلف المسلمون؟ 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأ ركود المجتمعات الإسلامية وتدهورها منذ فترة مبكرة، وتحديداً منذ أن تخلى المسلمون عن نظام الشورى بعد عهد الخلفاء الراشدين، كما يذهب د. حسين مؤنس في كتابه "عالم الإسلام". يقول: "وقد عدت أمة الإسلام انتقال الخلافة إلى الأمويين اغتصاباً للسلطان، وكذلك كان الأمر في الواقع عندما انتقل السلطان من الأمويين إلى العباسيين" (ص 454)، ويضيف:

"ولم يكف المسلمون قط عن الشعور بأن حكامهم غاصبون، ومظهر هذا الشعور هو هذا الحنين إلى أيام أبي بكر وعمر... لهذا نجد أن عبد الملك بن مروان ـ مثلا ـ كان يكره أن يتحدث الناس عن عمر، وكان لا يستريح لسماع ما يحكى من عدله" (ص 533-534).

إن الدولة الإسلامية بعد الخلافة الراشدة، قد تطبعت بطابع الدولة الاستبدادية على نمط الإمبراطورية الساسانية في فارس، وخاصة في الدولة العباسية التي يعتبرها مؤنس "خطوة إلى الوراء في تاريخ النظم السياسية، ومحاولة لبعث العصور القديمة في ثوب إسلامي" (ص 523)، وهي التي حكمت بلاد الإسلام زهاء خمسة قرون، وكان معظمها حكماً رمزياً، وذلك لاستقلال ولاياتها وانفصالها عنها!

وفضيلة الدولة الأموية على العباسية، رغم طابعهما الاستبدادي، هو أن الأولى كانت دولة فتوح نشرت الإسلام إلى أقصى ربوع الأرض، ومعه جلبت الفيء والغنائم فازدهرت الدولة، في حين أن الأخرى توقفت عن ذلك، وانشغلت بنفسها، ولم تقم إلا بإصلاحات محدودة، رغم رعاية خلفائها الأولين للعلم.

ويطرح د. حسين مؤنس رأياً خطيراً، مردداً دون علم ـ على ما يبدو ـ رأي عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر ( توفي 1920)، من أن جمود الحضارة الإسلامية إنما أتى حينما توقفت الفتوحات الإسلامية، بمعنى آخر أن المسلمين لم يقيموا أو يطوروا الصناعات والحرف، ولم يهتموا بالزراعة والتجارة لتكون مصادر للثروة الدائمة.

ويصدمنا مؤنس حينما يبين نقلاً عن "كتاب الوزراء لابن عيدروس الجهشياري"، أن الدولة العباسية خلال القرن الرابع الهجري كانت تعاني إفلاساً كاملاً، وكانت مهمة الوزراء والولاة هي الاجتهاد في موافاة الدولة بالمال اللازم لتسيير أمورها، ولقد تفنن هؤلاء في سلب أموال العامة وأخذها بالباطل.

وأنى يحدث الازدهار الاقتصادي لبلاد المسلمين وتلك المظالم التي كانت تنصب على رؤوس التجار وأهل اليسار والمقتدرين بمصادرة أموالهم من غير وجه حق، أو التضييق عليهم بحيث تشل حركتهم، في حين أن نهضة الغرب قد قامت على تأييد حكامها لهذه الطبقة والأخذ بيدها ودعم مبادراتها، وتشجيعها للشركات الخاصة التي بدأت تنتشر في العالم تحت حماية الدولة وأساطيلها الحربية، كشركة الهند الشرقية التي تأسست في هولندا في العام 1602، وأخرى بنفس الاسم في إنجلترا.

يقول د. حسين مؤنس: "وبينما كانت يد ملوك الشرق ثقيلة على التجار والصناع وأصحاب الأموال، تنبه ملوك الغرب إلى أن المدن ومن فيها هي مصادر ثروة وقوة للبيوت الحاكمة، وعرفوا أن حمايتها وحماية من فيها وإعطاءهم الحقوق والامتيازات، يعود بالخير على البيت الحاكم" (ص 527).

وقد استفاد تجار وصناع أوروبا من التنافس بين الملوك والإقطاعيين، وكان كلاهما بحاجة إلى المال، وكانت حماية الملوك لمدنهم وحواضرهم مقدمة لتوسعها وظهور المدن الكبيرة كمراكز للصناعة والتجارة العالمية، من قبيل أمستردام ولندن وباريس وليون وغيرها. وفي تلك المدن نشأ القانون المدني، وقامت الطبقة الوسطى التي قادت النهضة الحديثة.

ولعل ميزة ما يطرحه د. حسين مؤنس في كتابه هذا، هي العودة إلى أصل مشكلة التخلف السياسي والاقتصادي في عالمنا الإسلامي، وعدم إرجاع ذلك إلى العوامل المستحدثة كالاستعمار الغربي، ذلك أن العالم الإسلامي كان قد دخل في مرحلة الركود قبل وصول الأوروبيين بفترة طويلة.

وكان يمكن لعالمنا الإسلامي أن ينهض في العصور الحديثة بوجود دول قوية، كالدولة العثمانية والصفوية ودولة المغول، لولا قصر نظر هذه الدول بعدم رؤيتها للعدو الخارجي، فضلاً عن إغفالها للأخذ بأسباب التقدم، وتمسكها بالأساليب القديمة.

 

Email