إلى الرئيس المصري.. احذر الكارثة

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيدي الرئيس المصري.. أهنئك وأشفق عليك.. وأتمنى أن تكون "مينا الثاني"، الذي يجمع من خلفه وحوله عموم المصريين، كما فعل مينا الأول.. صاحب فكرة توحيد القطرين المصريين الشمالي والجنوبي.

ذاك الذي أوجد مصر دولة مركزية قوية عفية. وددت سيدي أن لا أفسد فرحتك، لكن للأسف، خلف الباب كارثة رابضة تتشوق لا لأن تتسيد عليك فحسب، بل وعلى جموع الشعب الكادح من أبناء مصر المحروسة، ما يستدعي دق جرس الإنذار.

إنه الاقتصاد المصري سيدي الرئيس، الذي قد يدفع بجموع شعبك للعودة إلى الميادين ثانية، لا اعتراضاً على أوضاع سياسية، بل بحثاً عن لقمة الخبز، وكرامة العيش التي طالب بها متظاهرو 25 يناير ولم يوفرها أحد لهم حتى الساعة. إنها ثورة الجياع، سيدي الرئيس، التي ترثها ومصر منهكة وقد تراجع احتياطيها الرسمي من العملات الأجنبية من 37 مليار دولار إلى 15.2، وهو احتياطي لا يكفي مصر ثلاثة أشهر..

أما عن البطالة بين شباب مصر، سيدي الرئيس، فبحسب تقرير أخير للايكونوميست البريطانية، فقد ارتفع إلى 13% فيما عجز الموازنة زاد إلى 10%، وهذا نقرأه في الموازنة العامة للسنة المالية الحالية، الأولى بعد الثورة، وفيها فجوة تمويلية تصل إلى 23 مليار دولار، ولم يكن من بد سوى اللجوء للاقتراض الخارجي أو استخدام احتياطي الدولة من النقد الأجنبي لتغطية عجز الموازنة..

يمثل الوضع الاقتصادي المصري، سيدي الرئيس، كارثة يتوجب عليك الحذر منها، خاصة وأن المتربصين لوقوع مصر وتفككها بعد انهيارها كثر، وهذا أمر يستدعي أول ما يستدعي منك وبأسرع وقت، العمل على تصويب مسار العدالة الاجتماعية في الداخل، وتحسين صورة مصر في الخارج، لضمان جذب الاستثمارات، وعودة شريان السياحة الذي يرفد مصر بنصيب وافر من "دم الحياة الاقتصادية".

أبعاد المشهد، سيدي، مؤلمة وكارثية ولا شك، وقد عمقها طوال العام ونصف العام المنصرمين، صراع المصريين مع أنفسهم، وها نحن أولاء نعود إلى المربع رقم واحد، رئيس بدون برلمان أو دستور، وبخزائن خاوية، وبحالة اقتصادية تحتاج لـ"يوسف بن يعقوب" من جديد، ولكن أنى لنا به أو إليه اليوم؟

سيدي الرئيس.. لا تعلق آمالاً عريضة على الخارج، فهم لا يهبون حباً وكرامة، بل بحثاً عن مصالح براغماتية ضيقة، فقد وعدوا المصريين والتونسيين قبل عام وفي إطار مبادرة "دوفيل"، بملغ 20 مليار دولار، وهو أمر تجدد التعهد به في لقاء مجموعة الثمانية الأخير في كامب ديفيد، لكن بنساً واحداً لم يعرف طريقه لبنوك البلدين ولن يدخل على ما يبدو.. لماذا؟

بحسب خبير الاقتصاد المصري العالمي محمد السمهوري، فقد كان الهدف من هذه المساعدة المالية هو دعم هاتين الدولتين في جهودهما الرامية إلى تحسين الحكم، وزيادة الدمج الاقتصادي والاجتماعي، وتحديث الاقتصاد، من جملة أمور أخرى.. لكن لم يبذل مجهود كاف لإجراء هذه الإصلاحات في خضم المرحلة الانتقالية الحافلة بالمطبات في مصر، ولذلك لم تصرف أموال الدعم التي تم التعهد بها.

سيدي الرئيس، أدعوك أول ما أدعو إلى أن تعيد قراءة الموازنة المالية للعام 2011 2012، وستصدم من أن "موازنة ما بعد الثورة هي دعم واضح وفاضح للأغنياء، ولا عزاء للفقراء".

فعلى سبيل المثال، يحصل الأغنياء على دعم للطاقة يصل لنحو 95 مليار جنيه، و2.5 مليار لتنشيط الصادرات، في حين أن الفقراء المستفيدين من دعم معاش الضمان الاجتماعي، يخصص لهم مبلغ 3.2 مليارات جنيه، ليغطي نحو 1.5 مليون أسرة، أي أن نصيب الأسرة في أحسن التقديرات لن يزيد عن 177 جنيهاً شهرياً، أي إن الدعم اليومي للأسرة الفقيرة المستفيدة يبلغ نحو 6 جنيهات فقط لا غير.

هل علمت لماذا، سيدي، يكثر حديث الحرافيش عن الثورة الثانية؟

مصر ليست بلداً فقيراً سيدي الرئيس، بل دولة مريضة، بالفساد الاقتصادي الذي بات قضية تشغل بال الجميع، من حيث حجمه واتساع دائرته وتشابك حلقاته وترابط آلياته بدرجة لم يسبق لها مثيل، ما يهدد مسيرة ومستقبل الكيان الاقتصادي المصري. سيدي الرئيس، أنت تعلم كم هو غني بلدي- بلدك، وأول غناه الإنسان المصري.. ولهذا نخالف هيرودوت ونقول إن مصر هبة المصريين، وليست هبة النيل.

العدالة، سيدي الرئيس، طريقك ووصفتك السحرية التي ستجعل جموع المصريين تلتف من حولك، وتحتمل معك ضنك الحياة وشظف العيش في الفترة الانتقالية المؤلمة، للخروج بمصر من لحظة الانسداد التاريخي التي تعيشها.

العدالة، سيدي الرئيس، ستضحى طريقا معبدا لاستجلاب الأمن والاستقرار في الداخل، وتضمن عودة الاستثمارات الخارجية، وتمتن الثقة في اقتصاد مصر ما يزيد ثقة المقرضين. سيدي الرئيس.. الكارثة لا تواجهك بمفردك، بل تواجه جموع المصريين، ولهذا فالمسؤولية مشتركة، والخيار خيارهم، إما النجاة معك وبك، وإما طوفان الافتراق..

وآخر الكلام.. تذكر سيدي أن كل بيت ينقسم على ذاته يخرب، وكل مملكة تنقسم على ذاتها لا تثبت.

 

Email