لماذا تخلف المسلمون؟ 1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتابه اعالم الإسلامب يناقش د. حسين مؤنس فيما يناقش، مسألة في غاية الأهمية، وهي سبب تخلف المسلمين في العصور الحديثة، بعد أن كانت دولة الإسلام في العصور الوسطى هي الرائدة والممتدة من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً.

يقول إنه حينما بزغت بواكير النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر في إيطاليا، لتنتقل رويداً رويداً إلى الأمم الأخرى كإنجلترا وهولندا وفرنسا وغيرها، كانت تسيطر على عالم الإسلام خمس دول: ثلاث منها شابة عفية، كانت تنبئ بكل خير.

وهي: دولة آل عثمان (في تركيا وشرق أوروبا ثم البلاد العربية)، والدولة الصفوية في فارس ومحيطها، والسعديون في المغرب العربي، ودولة في أوج امتدادها وحضارتها هي دولة المغول في الهند، ودولة في الانحدار والانهيار هي دولة المماليك في مصر والشام والجزيرة العربية.

كانت تلك الدول الإسلامية، وخاصة الدولة العثمانية والصفوية ودولة المغول الإسلامية في الهند، قادرة على أن تنهض بالأمة الإسلامية ثانية، بعد عصر الركود الذي استمر قروناً طويلة. وهي أيضاً كان باستطاعتها أن توقف زحف القوى الاستعمارية، التي بدأت في السيطرة على البحار وطرق التجارة العالمية، وتصد توغلها في بلاد المسلمين.

غير أن هذه الدول كانت قد ورثت داء الشيخوخة وهي في مهدها، وهو عند المؤلف، كما سنبين لا حقا، االاستبداد السياسي واغتصاب السلطة»، الذي بدأ منذ أن تخلى المسلمون عن الشورى!

لكن يا ترى، ما هي الأسباب المباشرة التي وقفت حائلاً بين هذه الدول الكبيرة (العثمانية والصفوية ودولة المغول) وبين القيام بدورها التاريخي النهضوي في التقدم الوطني في صد العدوان الغربي؟ يجيبنا د. حسين مؤنس على ذلك بإيراد مجموعة من العوامل والأسباب، فمنها مثلاً:

أولاً؛ أن هذه الدول الإسلامية قد دخلت في حروب طاحنة مع بعضها البعض، دون أن تنظر في الأخطار التي كانت تحدق بالعالم الإسلامي ككل، أو بدولها هي على وجه التحديد. فقد كانت العلاقة بين الدولة الصفوية التي قامت في إيران في العام 1501 إلى سقوطها 1736 مع الدولة العثمانية، علاقة حرب دائمة انتهت باتفاق العثمانيين والروس على اقتسام أحسن الولايات الإيرانية. وهذه الحرب الدائمة، للأسف، كانت مبعثاً للشقاق المذهبي والكراهية الطائفية والتعصب الأعمى.

ويتعجب المؤلف في مثال آخر، كيف أن حروب نادر شاه (1736-1749) كانت ضد البلاد الإسلامية المجاورة (أفغانستان والهند)، ولم يخطر بباله أن يجرد جيشاً ضخماً لحرب الروس الذين كانوا يتوغلون في البلاد التابعة له شمالاً، وكيف أن هذا القائد ترك شواطئ بلاده وتجارتها الزاخرة في الخليج العربي نهباً للتوسع الإنجليزي. ويبدو أن الطمع أعمى بصيرته، إذ عاد من بلاد الهند بأسلاب تقدر بـ700 مليون روبية من الذهب (ص 468)!

ثانياً؛ التنافس على العرش، حيث يذهب د. حسين مؤنس إلى اأن دول المسلمين لم تصل قط إلى قاعدة سليمة لتلافي أخطار هذه الناحية»، وفي نظره اأن أصحاب الدول جميعاً أهملوا رعاياهم وأخرجوهم من ميدان المسؤولية السياسية". وهذا التنافس في أحايين كثيرة، كان يدفع بأحد الأطراف أو كلها إلى الاستعانة بالقوى الأوروبية الصاعدة والمتحفزة إلى الوثوب للتدخل والسيطرة.

هذا ما حصل في الدولة السعدية حينما استعان محمد المتوكل (1574-1576) بالبرتغاليين ليعيد عرشه، فما كان منهم إلا أن غزوا بلاده. وهذا ما تكرر بين ملوك وأمراء المغول في الهند، حينما تنازعوا فاستعان البعض بالفرنسيين واستعان آخرون بالإنجليز، وكانت المحصلة في نهاية المطاف تحول الهند كلها إلى مستعمرة إنجليزية في سنة 1858.

ثالثاً؛ ولعل الغلو والتشدد الديني كان سبباً من أساب ضعف بعض الدول كدولة المغول في الهند، حيث تزخر الهند بدياناتها وطوائفها، وهو أمر راعاه حكامها المسلمون العظام، مثل جلال الدين محمد أكبر (1556-1605) الذي كان بحق سلطاناً وفيلسوفاً وفق بين أديان رعاياه.

وكان الخروج عن هذه السياسة معناه الفتنة والشقاق، وهو ما تحقق في عهد حفيده أورانجريب (1658-1707)، حيث أراد تحويل أهل الهند جميعاً إلى الإسلام بقوة السيف، فما كان من أتباع أهل الديانات الأخرى إلا أن استعانوا بالإنجليز ليمدوهم بالسلاح، وهكذا كانت بداية النهاية.. وللحديث صلة.

 

Email