هل هي آخر المعارك ضد القاعدة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدور حالياً حرب مكثفة وقوية ضد تنظيم القاعدة في كل من اليمن والصومال، وحسب المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام، فإن القوات المحلية المدعومة من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، تحقق انتصارات واضحة.

ويبدو أن الحرب تهدف إلى القضاء على التنظيم نهائيا في هذه المنطقة التي تعرف استراتيجياً بـ"قوس الأزمة"، ولها أهمية استراتيجية كبيرة لأنها تتحكم في طرق ملاحية رئيسية تستخدم في نقل النفط من مناطق إنتاجه إلى مناطق استهلاكه في الدول الغربية.

ففي حين أعلن أن الجيش اليمني استعادة بلدة "شقرة" الساحلية، آخر معاقل تنظيم القاعدة في محافظة أبين الجنوبية، بعد يومين من المعارك الشرسة، أقرّ الرئيس الأميركي باراك أوباما لأول مرّة، بمشاركة بلاده بعمليات مباشرة في كل من اليمن والصومال ضدّ عناصر تنظيم "القاعدة".

وقال في رسالة وجهها إلى الكونغرس يبلغه بتفاصيل حول العمليات التي تقوم بها القوات الأميركية في كل من البلدين، إنه "في عدد قليل من الحالات، أقدم الجيش الأميركي على القيام بعمل مباشر في الصومال ضد عناصر في القاعدة، بمن فيهم أعضاء ينتمون لحركة الشباب الذين ينسقون جهودهم لشن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة، ومصالحنا" في المنطقة.

كما أشار إلى أن القوات الأميركية تعمل عن كثب مع الحكومة اليمنية، للقضاء عملياً وطرد التهديد "الإرهابي" لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي وصفه أوباما بـ"الجناح الأكثر فعالية وخطورة للقاعدة اليوم". وأضاف أن "جهودنا المشتركة مع الحكومة اليمنية، أنتجت عملاً مباشراً ضد عدد محدود من ناشطي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وقيادييه الكبار في هذا البلد".

وهذه التصريحات تؤكد أن الولايات المتحدة تخوض بالفعل حرباً ضد القاعدة في منطقة قوس الأزمة، وما كانت لتعلن عنها إلا بعدما تأكد لها أنها حققت نجاحات ملحوظة فيها، فضلاً عن ذلك فإن الولايات المتحدة لم تكن لتدخل في هذه العمليات العسكرية، إلا بعد إدراكها أن مصالحها الاستراتيجية أصبحت مهددة جدياً بسبب نشاط القاعدة في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وأن الأطراف المحلية غير قادرة على تحقيق الحسم بمفردها.

وما كان أوباما يخاطر بحملته الانتخابية ويعلن عن هذه العمليات، لو كان لديه شك في أنها من الممكن ألا تحقق الهدف الرئيسي منها، وهو القضاء على تنظيم القاعدة، أو على الأقل شل حركته تماماً، فالوقت حالياً مهم جداً للرئيس أوباما الذي يبدو أنه سيعتمد في حملته الانتخابية على قضائه على القاعدة وإنهاء حياة مؤسس التنظيم أسامة بن لادن.

والحاصل أن القاعدة بعد حصارها الشديد في منطقة آسيا الوسطى، وعلى الأخص في أفغانستان، اختارت أن تنقل أنشطتها إلى مناطق أخرى ذات أهمية استراتيجية للعالم الغربي، ومنها منطقة قوس الأزمة ومنطقة الساحل الإفريقي.

وكان اختيارها لهذه المناطق راجعاً إلى عاملين؛ الأول أنها تشهد فوضى سياسية وصراعات عسكرية بين طوائف أو قبائل أو جماعات إثنية مختلفة، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة السلطات المحلية على حماية الأمن فيها، والقاعدة دخلت هذه المناطق في ظروف الفوضى، واستطاعت أن تقيم علاقة عضوية مع جماعات محلية ساعدتها على التمكن من الاستقرار فيها.

والدليل أنها استطاعت أن تقيم علاقة جيدة مع قبائل الطوارق في منطقة الساحل، وتساعدها في حربها ضد النظام في مالي من أجل الانفصال وتأسيس دولة خاصة بهم.

وإذا ما انتقلنا إلى منطقة قوس الأزمة، سنجد أن اليمن عندما جاء إليه التنظيم مؤخرا، كان في ظروف سعي الجنوب إلى الانفصال، استطاع أن ينسج علاقة مع جماعات انفصالية ساعدته على الاستقرار في المناطق الجنوبية من اليمن. وفي الصومال استطاع التنظيم أن يجعل حركة الشباب الصومالية المتمردة تقترب شيئاً فشيئاً من فكر القاعدة، ولتصبح بعد ذلك إحدى الجماعات المنضوية فيه.

أما العامل الثاني، فهو أهمية هذه المناطق من الناحية الاستراتيجية للاقتصاد الغربي، حيث رأت القاعدة أن التوقيت في ظل الأزمة المالية العالمية سوف يكون مناسباً لضرب هذا الاقتصاد في مقتل، وهو الأمر الذي يرى قادة التنظيم أنه يمكن أنه سيضعف الدول التي تسيطر على النظام الدولي حالياً.

وإذا كانت هذه الرؤية سطحية، فإن التنظيم بدأ في تنفيذها، ولم يكن أمامه بد، لأنه كان محاصراً في منطقة نشاطه الأساسية في آسيا الوسطى، وكان عليه أن ينقل نشاطه إلى مناطق أخرى، أو أن يعترف بالهزيمة في مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، وقد اختار التنظيم أن ينقل أنشطته إلى مناطق رأى أنها تسمح له بمقاتلة الغرب، أو على الأقل شن حرب استنزاف قوية في مواجهته. وهي الحرب التي تسعى الولايات المتحدة حالياً لإنهائها، عبر تقديم درس قاسٍ للقاعدة يمكن أن يؤدي إلى هزيمة التنظيم بصورة نهائية.

ومما يؤكد سعي الولايات المتحدة لأن تكون هذه هي الحرب النهائية ضد القاعدة، أن هناك في الساحل الإفريقي خبراء وقوات غربية تساعد الدول المحلية في العمليات ضد القاعدة، وإن لم يعلن عن ذلك رسمياً حتى الآن.

 ويبدو أن الدول الغربية المشاركة، وعلى رأسها فرنسا إلى جانب الولايات المتحدة، تنتظر تحقيق نصر نوعي مثل الذي حدث في اليمن، لكي تعلن عن ذلك رسمياً. فهي حرب يريد الغرب أن تكون أخيرة، ولكن يصعب التكهن بالمدى الزمني الذي سوف تستغرقه.

 

Email