دلالات كئيبة لأرقام الوظائف الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما يكون أحدث الأرقام المعلنة بشأن الوظائف في أميركا جاء دون التوقعات، ولكن رد الفعل لم يكن كذلك بالتأكيد. ونحن جميعاً نحاول كل شهر تعليق شكوكنا، ونشارك بشكل جماعي في هذا المشهد الشبيه بمسرح الكابوكي، والذي ندعي فيه أننا نعرف الأشياء التي نعرفها في الواقع.

في أحدث هذه الوقائع، كان التوقع هو توافر حوالي 155 ألف وظيفة جديدة خلال الشهر الماضي، وعندما تبين أن الرقم أقل من نصف ذلك، أي 69 ألف وظيفة، سادت صدمة وهمية وتظاهر برعب في كل مكان.

واعترف الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي زار مؤخراً مصنع شركة هانيويل في غولدن فالي بولاية مينيسوتا، بأن الأرقام جاءت سيئة، وأضاف: «لا يزال الاقتصاد بعيداً عما يتعين أن يكون عليه». كذلك، فقد ردد العبارة المبتذلة التي تفيد بأن كل شيء سوف يعود إلى الأفضل: «سنعود أقوى مما كنا.. مقبلون على مستقبل أفضل في الأيام المقبلة».

وبعد ذلك وجه انتقاداً للكونغرس لعدم تمرير المزيد من العناصر لمشروع قانون الوظائف التي أرسلها إلى الكابيتول هيل في سبتمبر الماضي، داعياً في ذلك الوقت إلى أن يتم إقرارها دون «تجزئة أو تأخير». وبالطبع، تبين أن هناك تجزئة وتأخيراً، كما كنا نعلم جميعاً أن ذلك سيحدث، فلم يكن أحد يتوقع حقاً أنه سيتم تمريره. وبعد ذلك في نهاية 2011، وبينما بدأت أعداد الوظائف تتجاوز مئتي ألف وظيفة في الشهر.

بدا أن الرئيس نفسه قد نسي مشروع القانون. ولكن بعد ذلك جاءت الـ77 ألف وظيفة الجديدة المخيبة للآمال في شهر إبريل، وحتى الـ69 ألف وظيفة الأكثر سوءاً في الشهر الماضي، وتذكر الرئيس فجأة مشروع قانونه الوحيد المتعلق بالوظائف.

المشكلة، حسبما قال الرئيس أوباما مؤخراً، هي أن الكونغرس تجاهل خطته، التي كانت «مليئة بهذا النوع من أفكار الحزبين التي كان من شأنها أن تعيد مواطنينا الأميركيين إلى العمل». فقد مرروا خفض الضرائب فقط، وليس «الأفكار الأخرى في مشروع القانون التي من شأنها أن تحدث فارقاً، وتساعد على خلق فرص عمل في التو». وقال إن رسالته إلى الكونغرس «كانت العكوف على العمل».

وعلى الجانب الآخر من حملة الانتخابات الرئاسة الأميركية، لعب المرشح ميت رومني دوره بإخلاص وبشكل يمكن التنبؤ به، واصفاً أرقام الوظائف عن شهر مايو بأنها «مدمرة»، وأعلن: «بات من الواضح الآن للجميع أن سياسات الرئيس أوباما فشلت في تحقيق أهدافها، وأن اقتصاد أوباما يسحق الطبقة الوسطى في أميركا».

وانتهت بذلك دفعة شهرية أخرى من مسرح الخداع الذاتي لدينا. والسؤال هو؛ لماذا نتظاهر بأننا نتعامل بجدية مع صحة هذه المناقشة المختلقة على نحو لا يصدق؟ كل شهر يلطف كلا الجانبين من موقفه وتصرفه تجاه الاقتصاد الذي يستند، إلى حد كبير، ليس على العدد، ولكن على العدد مع مجموعة من التوقعات محدودة للغاية وبشكل مصطنع.

فلو أن أرقام مايو فاقت التوقعات، لنقل إنها كانت 170 ألف وظيفة، لكانت التغطية الإخبارية لذلك اليوم، جنباً إلى جنب مع ردود أفعال المرشحين للرئاسة، يمكن أن تكون مختلفة تماماً. ولكن هذا يظهر مدى محدودية نقاشنا. حتى عدد مثل الـ170 ألف وظيفة لا يكاد يكفي لمواكبة النمو السكاني في أميركا.

وكما أشار دين بيكر مرة أخرى في يناير، فإن مستوى 150 ألف وظيفة يعني أن الأمر سيستغرق حتى عام 2028 للوصول إلى التوظيف الكامل. وعند مستوى 350 ألف وظيفة جديدة كل شهر وعلى امتداد جميع الشهور، وهو ضعف التوقعات، وخمسة أضعاف العدد الذي أعلن عنه، سيستغرق الأمر ثلاث سنوات.

إذاً، لماذا الحاجة الملحة لعمل شيء عند مستوى 69 ألف وظيفة؟ وسواء كان العدد 50 ألفاً أو مئتي ألف وظيفة جديدة، فلا يزال الاقتصاد على حاله، ونحن نعرف أنه يتم تدميره.

وفي الحقيقة، فإن إحساسنا بالإلحاح يجب ألا يكون أقل تفعيلاً من خلال ما يتم الإعلان عنه باعتباره تقرير الوظائف الكبير. فما نحتاجه حقاً هو ما يتجاوز تقارير الوظائف لشهور وشهور، لنبدأ استعادة ما كنا عليه قبل الركود. فالحوافز الضريبية لتوظيف قدامى المحاربين وتشجيع التصنيع تعد كبيرة، ولكن ضآلة المقترحات يجعل من السهل تجاهل كبر حجم المشكلة عن عمد. وبدلاً من ذلك، دعونا نعترف بما نعرفه جميعاً، مثل حقيقة أنه حتى يناير من عام 2013، وليس هناك ما هو من المرجح أن يتغير.

وتعد الفترة من يناير الماضي حتى الآن، بمثابة دهر بالنسبة لمن يناضلون. والتظاهر بأن الحكومة الأميركية سوف تقوم بالتغييرات التي نحتاج إليها خلال وقت قريب، ليس مجدياً أيضاً. وحسبما كتب الاقتصادي براد ديلونغ: «إننا نعرف، أو على الأقل يجب علينا أن نعرف، كيفية بناء المؤسسات السياسية التي تقبل مهمة تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي.. ومع ذلك، إلى درجة كبيرة، فإننا فشلنا في القيام بذلك». ولكن دعونا على الأقل نبدأ من خلال تقدير حجم هذا الفشل.

 

Email