أيام قلائل تفصل مصر عن موعدها مع الرئيس الجديد، والذي لن يخرج بحال من الأحوال عن أي من المرشحين الدكتور مرسي أو الفريق شفيق.
والشاهد أنه إذا تركنا الجدل الانتخابي الدائر في الوطن جانبا، يبقى أمامنا البعد الخارجي، وفي مقدمة علامات الاستفهام في هذا السباق تساؤل لا يهم اللحظة الآنية فحسب، بل ينسحب كذلك على المستقبل، ويدور حول المرشح المفضل لواشنطن، وهل هو مرسي أم شفيق؟ حتما يجب علينا التفريق بين التصريحات الرسمية والقراءات الواقعية في هذا الشأن.
من بين التصريحات الرسمية، يلفت النظر ما قالته وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، عقب انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهذا جزء من النص: "اختتم المصريون اليوم عمليات التصويت التاريخية في الجولة الأولى من انتخاباتهم الرئاسية التي دامت يومين، إن ذلك يمثل معلما مهما آخر في طريق تحولهم نحو الديمقراطية. إننا نتطلع إلى العمل مع الحكومة المصرية المنتخبة ديمقراطيا.
وسوف نواصل الوقوف إلى جانب الشعب المصري أثناء عمله لتحقيق الوعد الذي جلبته انتفاضة العام الماضي، وبناء ديمقراطية تعكس قيمه وتقاليده، وتحترم حقوق الإنسان العالمية، وتلبي طموحاته من أجل الكرامة والحياة الأفضل".
هكذا تحدثت هيلاري كلينتون، وهو حديث يحمل إشارات بعينها، ويلفت فيه أول ما يلفت، تناولها للثورة المصرية بوصفها انتفاضة، وهذا انتقاص واضح وفاضح، يعكس نظرتها تجاه الأحداث، ثم تأطيرها للرئيس القادم بمحددات ومعايير حقوق الإنسان العالمية، كشرط للتعاطي معه.
تصريح آخر من "بين رودز" نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، وفيه أنه "ليس بإمكاننا تحديد شكل العملية الانتخابية الرئاسية الأميركية، أو من يدخل البرلمان، ولكن سنعمل مع أي قيادات ينتخبها الشعب المصري تحديدا، لأننا نعتقد أن هذا الأمر في غاية الأهمية".
هل من صحة لوقوف واشنطن الحيادي بين مرسي وشفيق؟ وكيف للفائز أن يؤثر على منعطفات وربما منزلقات الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل؟
لعل أفضل من أماط اللثام عن تلك الإشكالية، كان الكاتب البريطاني الكبير "روبرت فيسك" في مقال له الأسبوع الماضي، عبر صحيفة إندبندنت البريطانية، وتطرق فيه إلى موقف أميركا من المرشحين في الانتخابات الرئاسية المصرية، حيث قال إن واشنطن لن تفضل بالتأكيد مرشح الإخوان، فمهما كان ادعاؤه بتبني الديمقراطية، فإن باراك أوباما لا يريد أن يتولى مرسي حكم مصر قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ما الذي لم يقله فيسك ويخيف أوباما؟
يبقى هاجس مصير الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر ماثلا أمام عيني أوباما، فقد كان اندلاع الثورة الإسلامية في إيران العامل الرئيس في ضياع فرصته الرئاسية الثانية أمام الجمهوري رونالد ريغان.
والجمهوريون اليوم بقيادة رومني، وكذلك التيار الداعم لإسرائيل في أميركا، لا يألون جهدا في اتهام أوباما بأنه ضحى على مذبح البراغماتية السياسية، بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، الصديق الأوثق والألصق لواشنطن، والكنز الاستراتيجي لإسرائيل، لصالح صعود نظام إسلامي لحكم مصر.
ما الذي يهم واشنطن في الرئيس المصري القادم؟
حزمة من القضايا الرئيسية، ولا شك، وفي القلب منها، الحفاظ على أمن وسلامة إسرائيل، والتمسك بعملية السلام القائمة معها، وكذلك العمل على وقف انتشار التسلح النووي والبقاء في معسكر الدول المحاربة للإرهاب بمنظور واشنطن، ثم السعي في إطار فكرة حقوق الإنسان العالمية.
وتعاطي هذا الرئيس أو ذاك مع الأطياف الدينية والعرقية المصرية المغايرة للأغلبية، والمبادرات الاقتصادية، لا سيما التي هي في تماس مع العدالة الاجتماعية، حتى لا تدخل مصر حيز الدولة الفاشلة، والتي سقوطها يهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط كلها.
ويبقى حديث آخر قائم بذاته، عن علاقة الرئيس الجديد مع رمانة الميزان المصرية، المتمثلة في القوات المسلحة المصرية.. أين المرشحان الاثنان مرسي وشفيق من هذه جميعا؟
في قراءة حديثة بتاريخ الأول من يونيو الجاري، صادرة عن مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أعدها لمديره التنفيذي "روبرت ساتلوف"، وجاءت تحت عنوان "السياسة الأميركية وجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية"، نقرأ ما يلي: "من الصعب تصور قيام مصر تحت قيادة مرسي، بتبني سياسات تتواءم مع المصالح الأميركية في ما يتعلق بالمسائل المتقدمة، بل إنه من المرجح أن يتبع مرسي سياسات مثيرة للمشاكل من حولها، وسيكون لهذه النتيجة تداعيات حادة على رغبة واشنطن في الإبقاء على مستويات مرتفعة من المساعدات إلى مصر".
ويضيف ساتلوف: "على النقيض من ذلك، ليس من الصعب تصور قيام مصر تحت قيادة شفيق بتبني سياسات أكثر مواتاة نسبيا في ما يتعلق بالمسائل السابقة، فهو سيفعل ذلك في واحدة منها على الأقل بالتأكيد، ومن ثم سيكون التأثير على المساعدات الأميركية أقل بكثير".. هل يحمل هذا التحليل دلالات ما؟
رغم أحاديث الحيادية الجوفاء، والعلاقات الأميركية الإخوانية القديم منها والحديث، تتجلى ظاهرة تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة، في دعمها أو تفضيلها الخفي للفريق شفيق، "الخيار الأكثر راحة لأميركا وإسرائيل"، بحسب مجلة نيوزويك الأميركية، ذلك أنه رجل التعددية والشراكات الدولية، لا الأحادية الذهنية الدوغمائية.
غير أن واشنطن ـ أوباما في حاجة سياسية إلى ما هو أشبه بالمصارعة اليابانية لاحتضان شفيق، خاصة إذا اندلعت الاحتجاجات العنيفة التي لا مفر منها في مصر إذا فاز.