علاج الأزمات المالية بالصدمات الكهربائية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشبه الأزمة المالية الولادة إلى حد كبير، فكلتاهما تنطويان على قدر كبير من الألم، وتكلفان، في نهاية المطاف، مبلغا طائلا من المال. ولكنك، بعد فترة قصيرة، تنسى كل السلبيات، وتستعد لخوض التجربة مرة أخرى.

وبالطبع، فإنك مع الولادة تخرج على الأقل بشيء إيجابي. وفي حالتي، كنت قد نسيت الجانب السلبي للإنجاب بما يكفي لخوض التجربة مرة أخرى، وبدون تخدير، بعد مرور عامين (وها هي ابنتي الكبرى قد تخرجت لتوها من الجامعة.. الوقت يمضي سريعا!). وهذا الميل إلى النسيان، الذي يعتبر مفيدا جدا عندما يتعلق الأمر بالإنجاب، يعد مدمرا للغاية عندما يتعلق الأمر باقتصادنا. فلم نفعل ذلك إذن؟

في عام 1990، حاول جون كينيث غالبريث الإجابة عن هذا السؤال المحير، في كتابه "لمحة تاريخية موجزة عن النشوة المالية". وفي ظل استخدامه لانهيار السوق الذي شهده عام 1987 كنقطة انطلاق، يبحث غالبريث في تاريخ الفقاعات المالية، وما أعقبها من انهيارات لا مفر منها، وفي الأسباب التي تحول دون تعلم الدروس التي من شأنها أن تمنع دورات الازدهار والكساد من الحدوث بانتظام مدمر. وبالنسبة لغالبريث، فإن تلك الأسباب هي مزيج من "القصر الشديد للذاكرة المالية"، والجهل العام بالتاريخ.

وكتب غالبريث يقول: "من الممكن أن تكون هناك قلة من مجالات الجهد البشري التي لا تعطي التاريخ أهمية كبيرة، كما هي الحال في عالم المال، حيث يتم نبذ التجارب السابقة بقدر ما هي جزء من الذاكرة، باعتبارها ملجأ بدائيا لمن لا يتمتعون بالبصيرة التي تمكنهم من تقدير عجائب الحاضر".

وليست دورة الازدهار والكساد هي وحدها التي تتكرر إلى ما لا نهاية، ولكن أيضا الاستجابة لها. لنر ما إذا كان هذا يبدو مألوفا.. عندما تصل الموجة الأولية من الغضب الشعبي إزاء انفجار فقاعة مالية ما إلى أعلى مستوى لها، يتعهد السياسيون بأنهم سيتخذون موقفا صارما و"لن يسمحوا بحدوث هذا مرة أخرى". ويتم اقتراح بعض الإصلاحات، ولكن، مع انحسار غضب الشعب، ومع ضعف ذاكرته، تنحسر عملية "الإصلاح" كذلك.

وإلى أن يتم تمرير تدابير الإصلاح (في حال تم تمريرها)، يكون الضغط قد أضعفها بما يكفي لجعل اندلاع أزمة أخرى أمرا لا مفر منه. الدليل هو المعركة المتجددة حول ما يسمى "قاعدة فولكر"، ردا على الخسارة التي تكبدها بنك "جيه بي مورغان تشيس" مؤخرا في عمليات التداول، وهو ما كان يفترض أن تمنعه "قاعدة فولكر".

وقال مارك وليامز، وهو أستاذ للاقتصاد في جامعة بوسطن: إن لـ"جي بي مورغان تشيس" صندوق تحوط كبيرا في أحد البنوك التجارية، ويفترض فيه أن يستلم الودائع ويقدم القروض، لا أن يقوم بمضاربات كبيرة". أو كما قال فيليكس سالمون، فإن البنك كان "يستخدم مكتب الاستثمار الرئيسي الخاص به للمجازفة بأموال دافعي الضرائب". ومرة أخرى، يصبح دافع الضرائب صرافا آليا في وول ستريت، وهو بالضبط ما تعهد جميع السياسيين، استجابة لغضبنا في عامي 2008 و2009، بعدم السماح بحدوثه مجددا.

وها نحن نسمع العبارات الصارمة من جديد، إذ قال وزير الخزانة الأميركي تيم غاثنر: "إننا واثقون تماما بأننا سنكون قادرين على التأكد من (أن القواعد الجديدة) ستكون على القدر المطلوب من الصرامة والفعالية، وأعتقد أن هذه الواقعة تساعدنا في جعل الأمر كذلك". وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما: "

بدون إصلاح وول ستريت، كان يمكن أن نجد دافعي الضرائب يدفعون ثمن أخطاء وول ستريت مرة أخرى. لذا فإنه يتعين علينا إنهاء مهمة تنفيذ هذا الإصلاح، ووضع هذه القواعد في مكانها الصحيح". ليس الأمر كأن "قاعدة فولكر" المليئة بالثغرات ستصبح في نهاية المطاف "أكبر من أن تفشل"! وطالما أن الأمر كذلك، فإن البنوك تعرف أننا سنكون حيث تريدنا أن نكون.

ولم يذكر الرئيس الأميركي شيئا عن إنهاء المهمة عندما ظهر مؤخرا في برنامج "ذا فيو"، وأعلن أن "جي بي مورغان يعد من البنوك الأفضل إدارة". وفي صحيفة "ديلي بيست"، قال بيتر بوير وبيتر شوايزر، إن هذا يشكل دليلا على علاقة أوباما "السلبية-العدوانية بالبنوك الكبرى". ولكن عندما يكون الشخص سلبيا-عدوانيا، فإنه يعبر عن العدوانية تحت ستار السلبية. أما في حالة أوباما، فإن هذه سلبية تحت ستار العدوانية.

وفي ما يتعلق بإنهاء المهمة، فإن البنوك، حتى بعد تطبيق "قاعدة فولكر" في يوليو المقبل، ستحظى بعامين للامتثال، ولتخفيف القاعدة بدرجة أكبر، أو لإلغاء قانون "دود-فرانك" برمته، في حال فاز ميت رومني، الذي تعهد بفعل ذلك. ومن الواضح أن الحل للتأثيرات المدمرة لدورة الازدهار/ الكساد التي تحركها النشوة المالية، لن يأتي من واشنطن، إذ إن البنوك ستفوز دائما على تلك الجبهة، فهي تملك جماعات الضغط، وجماعات الضغط تحظى بقدر من السيطرة على العملية التشريعية.

لذا فإننا جميعا نحتاج إلى التوقف عن النسيان، والاستفادة من الغضب الذي شعرنا به عندما اندلعت الأزمة المالية في عام 2008. يقال في بعض الأحيان إن البشر ينفرون بصورة طبيعية من الثعابين وأكل لحوم البشر، وربما مع النوع المناسب من التدريب، سنستطيع في نهاية المطاف أن نضيف إلى تلك القائمة، التداولات المالية التي يزيل تعقيدها جميع المخاطر بطريقة سحرية.

 

Email