في مقدمة الأسئلة التي طرحتها الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية، تساؤل حول حظوظ الإخوان المسلمين على ساحة الحياة السياسية، وهل تراجعت بالفعل؟ وإن كان ذلك كذلك فما هي الأسباب؟

شيء ما تبدل ما بين انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة في جولتها الأولى، ففي السباق إلى مجلس الشعب أدرك الإخوان أغلبية كاسحة، ربما من أثرها أبدى المرشح للرئاسة عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، الدكتور محمد مرسي ثقة مفرطة تجلت ذات مرة في تصريح لإحدى محطات التلفزة، قال فيه: إنني واثق من الفوز بنسبة 60% ومن الجولة الأولى؟

لماذا إذن جاء حساب الحصاد مخالفاً لحساب الحقل؟

تمكن الإشارة بداية إلى إشكالية الحنث بالوعود التي قطعوها على أنفسهم، لاسيما في وقت الثورة، ومنها أنهم لن ينافسوا على أكثر من نسبة 30% من مقاعد البرلمان، وعدم ترشيح أي منهم للرئاسة أو دعمهم مرشحاً بعينه، وكل ذلك تغير بالمرة. وربما كان الشارع المصري يغفر لهم ذلك إذا رأى أداء برلمانياً يدفع مستويات الحياة للتحسن دفعاً ولو يسيراً، غير أن التجربة ذهبت في اتجاه مغاير، ورأينا برلماناً منشغلاً في قضايا فرعية، والمشكلات الاقتصادية تتفاقم من حول المواطن.

يتساءل رجل الشارع المصري تساؤلاً جوهرياً: حال وصول الدكتور مرسي لكرسي الرئاسة لمن سيكون ولاؤه؛ للدستور الغائب حتى الساعة الذي سيقسم عليه، أم للبيعة التي أقسم عليها من قبل للمرشد العام؟ وهل معنى هذا الكلام أن المرشد يمكن عند لحظة معينة من تاريخ مصر أن يضحى صاحب الكلمة الفصل في مقدرات مصر والمصريين، ما يعيد لنا إنتاج فكرة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران وهو نموذج يمجه المصريون بالمرة؟

ازدواجية الإخوان، ولا شك، أحد أخطر أسباب تراجع حظوظهم، حتى ولو فازوا في أي انتخابات، وعلاقتهم مع الولايات المتحدة خير دليل على تلك الثنائية. فبعد الثورة خرجت اللقاءات من الظلام إلى النور، وأضعفت مصداقيتهم في الشارع المصري، فعندما يلتقي نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز مع د. محمد مرسي، وعندما يبحث مرسي معه سبل دعم الاقتصاد المصري واستمرار تقديم الولايات المتحدة المساعدات المالية لمصر، عندها يظهر أحد أوجه الإخوان المغايرة.

التيار السلفي أضعف بدوره حضور الإخوان، وظهر جلياً أنه لم يصوت لا للإخوان، ولا للدكتور أبوالفتوح بوصفه مرشحاً إسلامياً مستقلاً. هؤلاء خرجت عن بعضهم مثل الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، تصريحات مثيرة، من عينة أن الإخوان سيسحقوننا إذا تمكنوا من الحكم، وأننا لن نسمح لأحد أن يحارب دعوتنا أو يهدمها، وسنشدد على أن يكون للدعوة حرية العمل، سواء وصل للحكم الإخوان أو الفلول.

أما المثقفون والمفكرون في مختلف مناحي الحياة المصرية، فيرون أن فكرة مشروع النهضة التي يطرحها الإخوان لا تطمئن، خاصة وأنها تتسق مع المشروع السوداني الإخواني المماثل الذي حاول البشير تطبيقه في بلاده. أما النتيجة.. العين تغنيك عن طلب الأثر أحياناً.. السودان انقسم إلى دولتين ومرشح لثلاث أو أربع مع الأسف.

يمكن كذلك القول بتراجع حظوظ الإخوان من جراء مشهد اللجنة التأسيسية للدستور المصري الجديد، فقد حاولت الأغلبية البرلمانية الإسلامية صبغ اللجنة بصبغتها الخاصة، الأمر الذي دعا لاحقاً رئيس حزب الوسط الإسلامي المهندس أبوالعلا ماضي، للتأكيد على أن جماعة الإخوان المسلمين تتعمد تأخير إصدار إعلان دستوري مكمل، حتى تضع دستوراً لمصالحها الخاصة.

هل أخطأت جماعة الإخوان تجاه فصائل بعينها من المصريين وكانت النتيجة الأولية حرمانها من أصواتهم؟ يبدو ذلك صحيحا بدوره، فالأقباط على سبيل المثال، توزعت كتلتهم التصويتية بين ثلاثة مرشحين؛ عمرو موسى، وحمدين صباحي، وأحمد شفيق.. لماذا؟ الجواب عند الداعية الإسلامي السلفي الشهير محمد حسان: "

جماعة الإخوان المسلمين أخطأت في خطابها الذي أفزع جميع المصريين منها، ولا بد أن تعتذر عن الخطأ، ولا يصح أن ندفن رؤوسنا في الرمال كما يفعل النعام". لا تطمئن تصريحات الدكتور مرسي الجميع، رغم محاولته، بل ربما تستدعي قدرا أكبر من المخاوف، حتماً ستنعكس سلباً على مستقبل الجماعة، فعندما يتحدث عن أن الجماعة الوطنية متفقة على أن "ندوس بالأقدام" على بقايا النظام البائد، فهذا ليس كلاماً تصالحياً، بل انتقامي يدفع للمزيد من ردود الأفعال المضادة.

هل فات أوان تصحيح المسار؟ ربما هناك مجال لتغيير الوعود الانتخابية وتقديم الضمانات والتعهدات الشكلية، غير أن الإشكالية التي تتجاوز الدكتور مرسي وأي مرشح إخواني آخر، هي أنهم دائرون أبداً في صراع بين حجر زاويتهم الدعوي الرئيس، أي الدين وهو أمر مطلق، وبين سقف تطلعاتهم في عالم السياسة وهو شأن نسبي. ولهذا فإن المزج بين الأمرين شبه مستحيل، ما يعقد الأمر مستقبلاً ويزيد من حظوظ التراجع، لا من إمكانية القبول داخل الشارع المصري، وإن لم يكن ذلك اليوم فغدا أو بعد غد.