استدعت ملحمة بو زيلاي في السلطة والثروة والفساد والقتل، قضية الجيل الجديد من أبناء النخبة الحالية والسابقة في الحزب الشيوعي، إلى واجهة ومحور النقاش الدولي حول الصين المعاصرة. وهناك ثلاثة افتراضات ضمنية حول أبناء النخبة، تدفع التكهنات التي يطرحها المعلقون والمحللون للسياسات الصينية.
أولها أن أبناء النخبة يشكّلون مجموعة ذات مصالح قوية، شبيهة بالأرستقراطية السياسية التي تمارس نفوذاً حاسماً على النظام السياسي في الصين. والافتراض الثاني، أن فسادهم كبير ويستفز قوة الصين الوطنية. أما الافتراض الثالث، فيتمثل في أن الامتيازات التي حصلوا عليها بحكم انتمائهم إلى عائلات ذات نفوذ، هائلة لدرجة أنها تقوّض شرعية الحزب الحاكم في الصين، وتؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمع الصيني ككل. ومثل هذه الافتراضات منفصلة عن الواقع ولابد من تفنيدها.
يحاول العديد من المعلقين، بمن فيهم بعض المحللين السياسيين البارزين في شؤون الصين، تأطير هذه الأجيال الجديدة كما لو أنها كتلة قوية وسياسية موحدة، ومؤثرة على السياسات لصالحهم، ويمارسون نفوذهم من أجل الترويج للمرشحين الذين يمثلون مصالحهم. ولا يوجد أي دليل عملي لدعم مثل هذا الإطار المفاهيمي. فإذا تم إلقاء نظرة خاطفة على أبناء وبنات كبار قادة الصين، الحاليين والسابقين، لتبين أنهم يعيشون على ما يبدو حياة تتراوح بين ذروة السلطة أو الثروة وحياة عادية تماماً، أو بين هذين النطاقين.
فمن بين هؤلاء الذين اعتلوا المناصب العليا في السلطة أو الثروة، من تتسم مصالحهم الاقتصادية بأنها مختلة على نطاق واسع، وفي بعض الأحيان ينافسون بعضهم. ولا يوجد أي مؤشر على أنهم، بطريقة ما، تجمعهم مظلة مشتركة للترويج لجدول أعمال سياسي متماسك.
وفي الواقع، فإن قلة قليلة للغاية من الذين برزوا سياسياً، يعبرون عن وجهات نظر مختلفة. ويخوض أبناء هؤلاء القادة ممن تسلقوا السلم السياسي للحزب، منافسة شرسة في ما بينهم لا تقل شراسة عن أي شخص آخر. ولا شك أن أبناء النخبة الصينية هم لاعبون ذوو ثقل هائل في كل من السياسة والأعمال.
حيث يرجع ذلك جزئياً إلى علاقاتهم. لكنهم ليسوا مثل الأرستقراطيين من ملّاك الأراضي في فترة ما قبل الثورة الصناعية في أوروبا، أو الأوليغارشيين في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي. فالفئة الأولى كانت تمتلك قوة هائلة سياسياً واجتماعياً وعسكرياً، تراكمت لديهم عبر قرون من الزمان، أما الفئة الثانية فقد سيطرت على جزء كبير من الاقتصاد الروسي كله.
شأن المتعاملين في النفوذ في كل مكان، يتاجر أبناء النخبة الصينيون بعلاقاتهم، فضلاً عن أنهم فاسدون. والبعض منهم يتسمون بالحماقة بما يكفي للتباهي بمكاسبهم غير المشروعة أو غير الأخلاقية، من خلال استعراض واضح للثروة. والأمر شبه المؤكد، أن حالة بو زيلاي لن تكون الأخيرة، أو حتى الأكبر.
لكن العديد من أبناء النخبة في الصين يعيشون حياة طبيعية، ومن بين الناجحين منهم، هناك الكثيرون الذين يتفوقون على أساس الجدارة. وأبرز مثال على ذلك نائب الرئيس الصيني ووريث الحكم شي جينبينغ. فقد كان والده زعيماً بارزاً، ولكنه تم استبعاده في عهد ماو عندما كان الابن لا يزال في مرحلة الطفولة.
حيث دفع الصغير ثمنا للسقوط السياسي لوالده، وبدأ حياته المهنية في أدنى مستوى من الخدمة الحكومية في القرى. وفي الوقت الذي تم رد اعتبار الوالد، كان الابن شي قد صعد السلم السياسي على ما يبدو، من خلال العمل الدؤوب والجدارة وحدهما. فقد حقق مسيرة طيبة، من منصب العمدة إلى الحاكم إلى الأمين العام للحزب، وهو الآن عضو في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، وهو سجل مثالي بكل المقاييس.
في الواقع، وعلى امتداد 90 عاماً من تاريخ الحزب، وخلال 62 عاماً من تاريخ جمهورية الصين الشعبية، سوف يكون شي أول زعيم من نسل زعيم بارز، وهو الذي جاء من خلال التسلسل الطبيعي للرتب، بعد قهر المحن الجسام التي تعرض لها شخصياً. وعلى الصعيد الاقتصادي، فلو تتبعنا قائمة أغنى أغنياء الصين، لوجدنا أن غالبيتهم من أصحاب المشروعات المخاطرة الذين بدأوا من الصفر. تولّد مسألة إساءة امتيازات السلطة، حالة من الغضب في أي مجتمع على امتداد العالم، والصين ليست استثناء.
ومشاعر الإحباط الذي تم الإعراب عنه على شبكة الإنترنت، تظهر استياءً من هذا القبيل. لكن المجتمع الصيني بشكل عام، غير متفائل بشأن الامتيازات التي يحصل عليها أبناء النخب والأغنياء الجدد على حد سواء. وربما يكون ذلك علامة على النضج.
والمسألة ليست سوى حقيقة من حقائق الحياة، مفادها أن الذين يولدون لأسر ثرية أو لديها سلطة، يتمتعون بدرجة من الميزات على حساب بقية المجتمع. ويتسم بعض هذه الامتيازات بالطابع المؤسسي، مثل برامج القبول في بعض الجامعات الأميركية. وبهذا المنطق، يواصل معظم أبناء النخبة في الصين التمتع بالمزايا التي حصلوا عليها منذ ولادتهم، والقلة فقط هم الذين يسيئون استخدامها.