وطار الحصان!

ت + ت - الحجم الطبيعي

سبحان الله؛ مهما تطورنا في شتى المجالات والميادين وما صاحب ذلك من تغيير في ثقافة المجتمع وإبداعاته، إلا أنه من المؤسف أن يصر البعض على التغريد خارج السرب بطريقة تفكيره الساذجة التي تقهر وترفع الضغط في آن واحد.

هذه النوعية من البشر التي يبدو كأنها لا تزال تعيش في القرون الوسطى دون علم أو معرفة، تبدو لي مثل الذي قد ترعرع في محيط من الظلال والظلمات، يتداولون ويتناولون الأخبار والإشاعات المغرضة تارة، والساذجة تارةً أخرى، دون أدنى تفكير، كأنها وحي يوحى وكلام مقدس، مع أنها في الحقيقة ليست إلا إشاعة لا يمكن أن يصدقها إلا جاهل أو واحد من الضالين!.

أذكر أنه منذ سنوات تلقى العديد من المواطنين والمقيمين اتصالات من أشخاص يقيمون في إفريقيا يدعون بأنهم يفكون السحر والشعوذة مقابل مبلغ مالي يمثل قيمة العجل أو البقرة أو ربما قيمة التمساح الذين سيضحون به للتخلص من السحر والله أعلم، وطبيعي أن البعض منا استغرب، بل استنكر وضحك لمثل هذه التفاهات التي بدأ بتداولها الناس، لكن المصيبة أن البعض صدق.

وانتشرت تلك الإشاعات التي تؤكد بأن هؤلاء الأفارقة قادرون على فك السحر، وأن باستطاعتهم ضر من لا يصدق قدرتهم على فكه، بل حدا بالبعض أن يروج أرقام هواتفهم للاتصال بهم لفك السحر، ثم بعد فوات الأوان، وبعد أن علموا بأن تلك الاتصالات نصب واحتيال اخذوا يلطمون صدورهم من الغيظ والقهر.

كذلك انتشرت إشاعة اغرب من قصة الساحر الإفريقي التي كانت على الأقل تحمل شيئاً من الحقيقة، تمثلت تلك الإشاعة في وجود مليون ثمرة بطيخ تم حقنها بدم ملوث بالإيدز، ولو سلمنا جدلاً بأن الموضوع كان حقيقيا بالفعل، فلنكن على الأقل منطقيين في تداولنا لهذه الإشاعة.

ولنستخدم ولو جزءاً صغيراً من أدمغتنا لنفكر من هو هذا الإنسان الذي سيكون متفرغاً ومرتاح البال ليحقن مليوناً من ثمار البطيخ بالتمام والكمال، وحتى لو افترضنا أنها كانت عصابة مكونة من مئة شخص فهذا يعني أن يقوم كل فرد من أفراد العصابة بحقن عشرة آلاف ثمرة فقط لا غير.

والمؤسف في موضوع الإشاعات أن الناس ما شاء الله، ولا حسد على عقولهم، يتفننون في أساليب إرسال وتداول مثل تلك الإشاعات ما بين رسالة نصية واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك، ورسائل البريد الالكتروني، أضف إلى ذلك فإنها تنتشر بسرعة في مجالس النساء، لتصل إلى الناس أسرع من سرعة الضوء.

وما يقهرني أكثر في هذا الموضوع وجود فئة مثقفة متعلمة تساهم في تداول هذه الإشاعات، حتى لو كانت إشاعات مغرضة، مع أني على يقين تام بأن من يروج لمثل هذه الإشاعات هو في الواقع أكثر شخص يضحك ويستمتع بهذه النوعية من البشر، التي تصدق أي شيء يقال.

إنَ للإشاعات آثار سلبية عديدة في المجتمع، حتى وإن كانت لا تعدو أن تكون مجرد مزحة، ذلك أنها قد تتسبب في مشاكل لا تعد ولا تحصى، ليس على المستوى الاجتماعي فقط، الذي قد تتزعزع مكوناته وطبقاته بفعل إشاعة طائفية على سبيل المثال، بل قد تكون إشاعة سياسية تهدف إلى هز أركان النظام السياسي.

وقد تكون إشاعة اقتصادية تهدف إلى التأثير على الوضع الاقتصادي لأي بلد، وقد تكون مجرد مزحة قد تتسبب في إثارة الرأي العام لتتحول إلى مصيبة عظيمة لا يحمد عقباها.

في الحقيقة انني في بعض الأحيان أخجل من معرفتي ببعض الأشخاص الذين يتداولون مثل هذه الإشاعات على أنها حقيقة، مع أنها أوضح من وضوح الشمس، وفي أوقات أخرى من شدة إيمانهم بتلك الإشاعات اشعر بأنني لا افهم شيئاً، فأشك أنهم على صواب، وإنني بلا ريب في جهل عظيم، وفي بعض الأحيان لا املك إلا أن اضحك، لدرجة أتخيل فيها أنه يمكن أن يحدث أي شيء خارق للعادة، وليس ببعيد أن ينشر احدهم خبراً مفاده بأنه قد شاهد بعد ظهر اليوم حصاناً يطير في السماء.

 

Email