إلى أين تتجه الجزائر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساعات قليلة تفصلنا عن إجراء الانتخابات التشريعية الجزائرية، وهذا الاستحقاق السياسي المقرر له بعد غد (10 مايو)، سيكون نقطة فاصلة في تاريخ الجزائر الحديث، لأنه يمكن أن يدشن دخول الجزائر الطوعي في الربيع الديقراطي العربي، ويمكن أن يكون بداية لمطالبة شعبية بالتغيير على أساس أنه لم يتحقق بواسطة صندوق الانتخابات.

وإذا كانت السلطات الجزائرية قد أجرت تعديلات على قوانين الإعلام والأحزاب لكي تؤكد أن هناك إصلاحا تدريجيا يحدث، فإن المحك الأساسي لهذا الإصلاح، هو أن تفرز الانتخابات خريطة سياسية معبرة عن الواقع السياسي الحقيقي في البلاد، بغض النظر عن شكل هذه الخريطة ذاتها.

 فهناك من يرى أن هذه الخريطة لا بد أن يحتل فيها الإسلاميون موقعا متميزا، على النحو الذي حدث في كل من مصر والجزائر والمغرب، وهناك من يرى أن تجارب كل من هذه الدول الثلاث يمكن أن تؤثر سلبا على إسلاميي الجزائر، لأنها لم تكن ناجحة تماما في أي منها، بل وضحت تماما محاولات الإسلاميين احتكار السلطة والاستئثار بها، وتهميش القوى الأخرى غير الإسلامية.

وبالتالي فإن من المنتظر أن تكون هناك تجربة جزائرية رائدة تختلف عن تجارب الدول الثلاث، وهذا هو الأمر الذي سيحسم قضية الإصلاح السياسي في الجزائر، وليس أمرا آخر.

ولا بد من ربط نتائج الانتخابات بأمر أكثر أهمية، وهو شرعية النظام ذاته في أعقاب هذه الانتخابات.

فهناك مؤشرات تؤكد أن هذا الأمر لن يحدث، ليس فقط لأن هناك احتمالات للتدخل الإداري في الانتخابات، أو لأن مسؤولين تنفيذيين كبارا أدلوا بتصريحات حول نتائج الانتخابات المتوقعة، أكدوا فيها أن القوى الإسلامية لن تحقق نتائج كبيرة فيها. ولكن لأن الحملة الانتخابية تسير بنفس أسلوب الحملات الانتخابية السابقة، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام الداخلية والخارجية تقول في تقاريرها إن الناخب الجزائري بدأ يشعر بالملل من هذه الانتخابات. ولهذا الأمر أهميته لأنه يؤثر على نسبة التصويت المتوقعة، وهذه النسبة هي التي تحدد مدى شرعية النظام في مرحلة ما بعد هذه الانتخابات.

ووفقا لوسائل الإعلام أيضا، فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كلف وزراء غير مرشحين في الانتخابات بالنزول إلى الشارع، والقيام بحملة تحفيز للجزائريين لتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات، وكل ذلك على الرغم من مشاركة 44 حزبا في الاستحقاق الانتخابي، بما يعني أن هذه الأحزاب لو كانت لها قواعد سياسية واجتماعية وشعبية كافية، لما لجأ الرئيس لهذا الخيار الذي يعني أنه غير متيقن من الشرعية التي سوف تتأسس له ولنظامه، في أعقاب الانتخابات التشريعية المتوقعة.

وهذا العزوف عن الاهتمام بالانتخابات والملل الذي يشعر به الناخبون تجاهها، تعود مسؤوليته إلى الطبقة السياسية الجزائرية، التي فشلت في إقناع الناخب بجدوى الانتخابات، كما أن عناصر منها تدلي بتصريحات تفسر على أنها قامت بتقسيم مقاعد البرلمان في ما بينها حتى قبل أن يدلي الناخبون بأصواتهم.

فقد قالت جبهة التحرير الوطني إنها تعتقد أنها ستفوز بالمرتبة الأولى، في حين أعلن «تكتل الجزائر الخضراء» (تحالف الإسلاميين) أنه واثق بدوره من الفوز بالغالبية الساحقة «إذا لم تُزوّر الانتخابات».

أما أحمد أويحيى رئيس الحكومة، فقد وضع حزبه التجمع الوطني الديمقراطي في المرتبة الأولى في الانتخابات. ويفسر متخصصون مواقف الأحزاب بخصوص حصولها على الغالبية، بأنها أغلقت شهية الناخبين بدلا من أن تفتح الباب أمام معركة تنافسية حقيقية.

والذي يؤكد مسؤولية الطبقة السياسية عن هذا الوضع، هو تزامن بدء حملة الانتخابات مع ظهور سلسلة من الأزمات شغلت الجزائريين عن الاهتمام بخطابات الأحزاب. فقد شهدت عدة قطاعات اجتماعية، حالة غليان غير مسبوقة تمثّلت في إضرابات في أكثر من قطاع، كما ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بشكل غير مسبوق. واتهمت الحكومة قوى قالت إنها لا تريد الخير للجزائريين، بالوقوف وراء هذه الأزمات الاجتماعية.

ويرجع متخصصون هذه الحالة من عدم اهتمام الناخبين بالاستحقاق الانتخابي في ظل هذه الأزمات، إلى عدم ثقتهم في الوعود المقدمة من الأحزاب، واعتقادهم أن المجلس الشعبي الوطني، أي المؤسسة التشريعية، لن يكون قادراً على تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للناخب الجزائري.

والمعضلة التي تواجهها الجزائر حاليا، هي أن عليها أن تؤسس شرعية لنظامها السياسي وهي لم تستكمل 10 أعوام على الخروج من أزمتها السياسية الداخلية التي وضعتها على أعتاب حرب أهلية طاحنة، وهي إلى الآن ما زالت تواجه خطر تنظيم القاعدة الذي يتمدد إلى جوارها في مالي والنيجر ودول أخرى. ويدرك النظام الجزائري أنه في الوضع الراهن لن يمكنه دفع المواطنين لتأجيل المطالبة بالديمقراطية لمواجهة التحديات الداخلية أو الإقليمية، خاصة وأنه أصبح هناك شبه إجماع لدى الطبقة السياسية، على أن الإصلاح السياسي والديمقراطي هو أحد محاور مواجهة هذه التحديات، وبالتالي فإن شكل الإصلاح وحدوده أصبح هو محور النقاش، وليس السير فيه من عدمه.

والانتخابات التشريعية المقبلة يمكن أن تكون هي الإجابة على التساؤلات المطروحة حول شكل الإصلاح وحدوده، وأيضا هل سينجح أم أنه سيفتح الباب أمام المزيد من المطالبة الشعبية الأكثر تنظيما بالتغيير الجذري، وليس الإصلاح السياسي فقط..

Email