أميركا وحرب أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يظن المرء أن حرباً استمرت عشرة أعوام ونصف العام ستشكل قضية رئيسة في حملة انتخابات رئاسية، لاسيما إذا كانت تسير على نحو سيئ كالحرب في أفغانستان، وخاصة بعد مبادرة السيناتور جاي روكفلر، التي حث فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما علانية على تسريع انسحاب القوات الأميركية. وربما لو اقترحت الإدارة الأميركية تمويل عيادة لتنظيم الأسرة في قندهار، لحصلت الحرب على المكانة التي تستحقها في النقاشات الوطنية.

ويبدو أن مؤسساتنا السياسية والإعلامية، تعتبر أن كوننا في حالة حرب مستمرة يشكل ببساطة جزءاً من «العرف الجديد»، إلى جانب تجاوز البطالة نسبة 8%. ولاتزال الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، ومع ذلك فإننا نصر على تشبثنا بخطط انسحاب تدريجي، من شأنها أن تترك القوات الأفغانية بمفردها في ساحة القتال في مرحلة ما من عام 2014.

ورغم أن قادتنا لا ينتابهم، في ما يبدو، أي شعور بالإلحاح، فإن كثيرين غيرهم في الداخل ينتابهم ذلك الشعور، وفي الواقع، فإن الغالبية العظمى ينتابها ذلك الشعور. ووفقا لاستطلاع حديث أجرته كل من صحيفة «نيويورك تايمز» ومحطة «سي بي إس نيوز»، فإن تأييد الأميركيين للحرب انخفض إلى مستوى قياسي (23%)، مع تأكيد 69% منهم على وجوب خروج أميركا من أفغانستان. والأهم من ذلك أن استطلاعاً آخر أجرته كل من صحيفة «واشنطن بوست» ومحطة «إيه بي سي نيوز»، أظهر أن 60% من الأميركيين يعتقدون أن الحرب لم تكن تستحق أن تخاض.

وكيف كانت استجابة وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا لهذا التحول في مشاعر الرأي العام ضد الحرب؟ لقد قال: «لا يمكننا خوض الحروب من خلال استطلاعات الرأي. ولو فعلنا ذلك، فإننا سنقع في ورطة كبيرة». طبعا هذا صحيح، ولا أحد يطلب منه «خوض حروب من خلال استطلاعات الرأي»، ولكن ما يمكنه فعله هو استخدام الفطرة السليمة نفسها التي تكمن وراء تلك الاستطلاعات.

لقد مر ما يزيد على عشرة أعوام على دخولنا أفغانستان، وبالتالي فإن هذه ليست أحكاما مبكرة. ولا علاقة لحقيقة أننا في «ورطة كبيرة» في أفغانستان، باستجابة قادتنا المفرطة لرغبات الجمهور.

وبالطبع، عادت الحرب إلى نشرات الأخبار في الآونة الأخيرة، بسبب مقتل 17 مدنيا أفغانيا على يد الرقيب الأول في الجيش الأميركي روبرت بيلز، حسب مصادر رسمية. ويعد عمل العنف الطائش والبشع هذا انحرافاً، وهو لا يعد كذلك في الوقت ذاته.

فهو يعد انحرافا بمعنى أنه لا يمثل بأي شكل من الأشكال سلوك الرجال والنساء البالغ عددهم أكثر من مليوني جندي، والذين خدموا في العراق وأفغانستان منذ أحداث 11 سبتمبر. ولكنه لا يعد انحرافاً بمعنى أن الحرب هي في حقيقتها جحيم وفظائع لا مفر منها في أي صراع يطول أمده.

وكما كتب مارك راسل، وهو قائد متقاعد في البحرية الأميركية وطبيب نفساني عسكري، فإن الجيش يصف الفظائع بـ«سلوكيات التوتر الناجم عن سوء التصرف»، التي تحدث دائما في الحرب، «حتى على أيدي أشخاص يحظون بالاحترام في العادة».

وفيما أشار راسل إلى أن اللوم، بلا شك، ينبغي أن يقع قبل كل شيء على مرتكب الجريمة، فإنه يعتقد أن دائرة المسؤولية يجب أن ترسم على نطاق أوسع بكثير: «لا يمثل بيلز وعائلته سوى أحدث حلقة من سلسلة طويلة من أفراد الطبقة المحاربة، الذين تحملوا ظلماً عبء خوض حرب استمرت 11 عاما. وعلى سبيل المثال، فقد تم نشر ما يزيد على 107 آلاف جندي ثلاث مرات على الأقل».

ولكن الخطر لا ينحصر في انهيار الجنود الأميركيين الممتد والغريب. فمنذ فترة وجيزة، قتل ضابط في الشرطة الأفغانية تسعة من زملائه الضباط، ثم فر في سيارة حكومية محملة ببنادق «إيه كيه- 47» وذخائرها. وفي وقت سابق من الأسبوع نفسه، سقط جندي أميركي على يد ضابط آخر في الشرطة الأفغانية، كما قتل جنديان بريطانيان على يد جندي أفغاني.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «إن الزيادة الواضحة في هذا النوع من الحوادث، أثارت مخاوف بشأن حالة جهود الحرب». ووفقاً لما كتبته صحيفة «إندبندنت» عن الحوادث نفسها، فإن «الوفيات تثير تساؤلات جديدة» و«تعمق المخاوف».

بعد مرور أكثر من عشرة أعوام على دخولنا أفغانستان، ألم يحن الوقت لنتوقف عن طرح الأسئلة وتعميق المخاوف؟ ما العمق الذي ينبغي للمخاوف أن تصل إليه قبل أن نتصرف بشأنها؟ كم سؤالاً جديداً يجب أن يطرح قبل أن نبدأ في الاستجابة بإجابات واضحة؟.

إن هذه الحرب ليست مجرد مضيعة مأساوية للأرواح والأموال، ولكنها أيضاً توهن أمننا القومي من خلال تقوية عزيمة أولئك الذين لن يتوانوا عن إلحاق الأذى بنا. وهي تعمق مشاركتنا في حرب أهلية لن تتم تسويتها أبداً، طالما أننا في هذا الخليط.

وفي مقابلة مع بيل مويرز، قال أندرو باسيفيتش، وهو كاتب عسكري حارب في فيتنام: «إن الحرب تدمر الروح البشرية، إنها تقوض إنسانيتنا». وهذه الحرب تساوم الآن على إنسانيتنا، وأمننا القومي، ومكانتنا في العالم، ومطالبتنا بأرضية أخلاقية أعلى.

 

Email