نظام روحاني لتحديد المواقع الالكترونية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أكثر من عامين، تحدثت في مؤتمر عقد بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين للتسمية الإلكترونية "دوت كوم". وطلب من اللجنة التي كنت فيها "النظر في البلورة السحرية"، والتنبؤ بطبيعة الاختراعات التي ستغير قوانين اللعبة خلال السنوات الـ25 المقبلة للإنترنت. وكان أحد تنبؤاتي أملاً أكثر منه نبوءة: أن يقوم شخص ما بابتكار تطبيق يستطيع قياس حالة العقل والجسد والروح، ومن ثم يفصل الخطوات اللازمة لإعادة تنظيم جميع تلك الجوانب في الكيان البشري.

في ذلك الوقت، كنت أفكر بصوت عال فحسب. ولكن بعد انتهاء الحدث، ومع مواصلتي الكتابة والحديث عن الفكرة، كانت الاستجابة التي تلقيتها من الآخرين الذين شاركوني شعوري بضرورة تلك الحاجة، لا تصدق. وفي مرحلة من المراحل قلت لنفسي: مهلًا، إنني محاطة بعشرات المهندسين والمبرمجين والمبدعين، فما الذي يمنع من تحويل حلمي إلى حقيقة؟

ولذلك السبب، كشف موقع "هافيبوست" أخيراً النقاب عن تطبيق مجاني، أسميناه "نظام تحديد المواقع الخاص بالروح"، والذي يتوقع أن يتم إطلاقه في يونيو المقبل. وتقوم الفلسفة الكامنة وراء التطبيق، على حقيقتين بشريتين. الحقيقة الأولى هي أننا جميعاً نحمل في داخلنا مكاناً للحكمة والانسجام والتوازن، والثانية هي أننا جميعاً نبتعد عن ذلك المكان، مراراً وتكراراً.. وتلك هي طبيعة الحياة.

وفي الواقع، فإننا قد ننحرف عن المسار الصحيح أكثر من التزامنا به. ولذا فإن ما نحتاج إليه هو آلية لتصحيح المسار، نظام لتحديد المواقع خاص بالروح، لأن العواقب، في غياب تلك الآلية، قد تكون خطيرة، سواء على صحتنا أو علاقاتنا أو وظائفنا أو حتى بلدنا. وتكثر الأمثلة على القادة الأذكياء الذين يتخذون قرارات رهيبة. ولا ينجم ذلك عن انخفاض مستوى الذكاء، وإنما عن الافتقار إلى الحكمة. وكلما تمكنا من تصحيح المسار بصورة أسرع، قلت الآثار السلبية الناجمة.

وقد قال الفيلسوف الروماني أفلاطون: "إن للمعرفة ثلاث درجات، الرأي والعلم والنور". وأضاف: إننا نحصل على الدرجة الأولى من الإدراك، والثانية من الجدلية، والثالثة، النور، من الحدس. وبسبب الإفراط في التواصل، الذي سمحت به، بل وفرضته، شبكة الإنترنت، التي سهلت الوصول إلى أول نوعين من المعرفة، فقد ابتعدنا عن النور، أو الحكمة، أو الحدس، أو أياً كان ذلك الشيء الذي يعد ضرورياً جداً لعيش حياة مرضية وذات مغزى.

وعلى الرغم من أن شبكة الإنترنت ووسائط الاتصال الاجتماعية قدمت لنا أدوات مذهلة للتواصل، ولإحداث تغيير بطرق مختلفة، فإن هناك أفعى تتربص بنا في "حديقة عدن" الإلكترونية هذه، إذ إن اتصالنا المستمر بالعالم الرقمي، غالباً ما يفصلنا عن العالم الحقيقي من حولنا، أي محيطنا المادي، وعن أحبائنا، وخصوصاً عن أنفسنا. ونحن نرى أثر ذلك في كل جانب من جوانب حياتنا.

وفي مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو"، أشار ندوبويسي إكيكوي، مؤسس المعهد الإفريقي للتكنولوجيا، إلى مساوئ الإفراط في التواصل، حيث قال: "إننا نعرض الإنتاجية طويلة المدى للخطر، من خلال عدم تخصيصنا أي وقت للأمور التي تضمن التوازن في حياتنا". وأشار إكيكوي أيضاً إلى البروفيسور ليزلي برلو، مؤلف كتاب "النوم مع الهاتف الذكي: كيف يمكنك التخلص من هذه العادة وتغيير طريقة عملك". ويستعرض برلو بحوثاً تبين كيف أن الابتعاد المتعمد عن الأجهزة الرقمية، يؤدي إلى شعور الناس بقدر أكبر من الارتياح في وظائفهم وحياتهم.

ومن ثم هناك "فريدوم"، وهو التطبيق الشهير الذي يتيح للمستخدمين قطع اتصالهم بالانترنت لفترة محددة من الوقت. لقد حظي هذا التطبيق بما يزيد على 300 ألف مستخدم حتى الآن.

وبطبيعة الحال، فإنني أدرك أن هناك نوعاً من المفارقة، في فكرة أن تطبيقاً ما يستطيع مساعدتنا على التحرر من حياتنا التي يميزها الإفراط في التواصل. ولكن كما يظهر لنا "فريدوم"، فإن الحل للمشكلات التي تسببها التكنولوجيا، لا يتمثل في معاداة التكنولوجيا، وإنما في استخدام التكنولوجيا الأفضل.

وإليكم كيفية عمل تطبيقنا الجديد: عند قيام المستخدم بالنقر على جهاز الاستشعار الموجود في هاتفه، سيقوم "نظام تحديد المواقع الخاص بالروح" بتوفير قياسات عدة لمستوى توتره الحالي، بما في ذلك معدل ضربات القلب وتقلبات النبض (وستقدم الإصدارات اللاحقة المزيد من المعلومات). ومن ثم سيقدم التطبيق ما يحتاجه المستخدم للوصول إلى التوازن، وذلك قد يشمل الموسيقى، أو الشعر، أو تمارين التنفس، أو صوراً لشخص أو مكان يحبه المستخدم، أو مزيجاً من كل تلك الأشياء.

وبما أن كل واحد منا هو أدرى بما يساعده على طرد التوتر والاستفادة من السلام في داخله، فإن التطبيق يسمح بأن تتم برمجته بحيث لا يرسل إلا ما يحتاجه المستخدم لتصحيح مساره. وأنا شخصياً سأبرمج التطبيق الخاص بي، لكي يرسل تعليمات للتأمل، وصوراً لابنتي، ولحظاتي المفضلة من مقطوعة "الناي السحري" لموزارت.

وآمل أن يشكل التطبيق بداية لرحلة نحو إعادة الاتصال بقدرتنا على الإبداع وحدسنا وحكمتنا، وبأنفسنا كذلك.

 

Email