بين أبوموسى وبغداد

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك غيوم سوداء تتجمع في أفق المنطقة العربية، وهذه المرة تقترب الغيوم من سمائنا نحن في الإمارات. منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003 واختلال التوازن الخليجي العربي ــ الإيراني، لم تتوان إيران عن تقديم نفسها للغرب بوصفها الدولة الأكثر تماسكاً وانضباطاً، والقادرة على «مسك» جميع الأوضاع وترتيبها سواء في العراق أو لبنان أو سوريا أو الخليج بالطبع.

هل الغرب وبالتحديد ممثل مصالحه في المنطقة يعني أميركا على دراية باللعبة الإيرانية؟ الجواب : نعم، بل يبدو أن اللعب مشترك بين الطرفين، فهناك حض قديم ومستمر من العديد من الدوائر الدبلوماسية والاستخباراتية الأميركية على ضرورة التعاون مع إيران وتسليم مقاليد الأمور في المنطقة لها .

وقد حصل هذا في العراق، وترى هذه الدوائر الآن أنه وتماشياً مع إعلان إدارة أوباما في نوفمبر من العام الماضي عن نيتها بنقل محور السياسة الخارجية الأميركية في السنوات القادمة من الشرق الأوسط إلى حوض المحيط الهادي وغرب آسيا للتعامل أساساً مع الصين، فإنه من الطبيعي أن تبحث أميركا عن شريك منضبط، قوي، قادر على المناورة بدهاء في جميع ساحات الصراع في منطقتنا، أي إيران.

مختصر الكلام أن أوباما الذي قرر اتباع مبدأ أن تلعب الولايات المتحدة دوراً موارباً خلف الكواليس في التعاطي الدولي، وشاهدنا ذلك مثلاً في ليبيا وغيرها، يفكر الآن (وهذا احتمال) في فعل الشيء نفسه حيث التوصل لصفقة مع الإيرانيين على حساب حلفاء أميركا التقليديين (دول الخليج).

حسناً، من المهم أن نذكر هنا أن الإمارات ليست متفرجة على ما يحصل، وهو الانطباع الذي تكون لدى الكثيرين في الخارج وحتى في الداخل، حيث ان الدبلوماسية الإماراتية وهي نشيطة ومشاركة في أغلب ملفات الإقليم الساخنة تلتزم الهدوء فيما يتعلق بتحركاتها والابتعاد عن جذب الأنظار إعلاميا، هذه الدبلوماسية الإماراتية كانت قد عملت مع روسيا في العام 2008 على صياغة مبادرة مشتركة لتحريك قضية الجزر وحلها وهي المبادرة التي تم رفضها إيرانياً بدعوى أن الحاصل بين أبو ظبي وطهران هو مجرد «سوء تفاهم يمكن حله في الإطار الثنائي دون الحاجة إلى تدخل أطراف خارجية».

تكررت المبادرة الإماراتية في شهر أبريل من العام الماضي، حيث حصل توافق شفهي من الطرفين ينص على عدم التصعيد من أي طرف وعدم تداول الموضوع إعلامياً بشكل رسمي، بعد ذلك اســتمرت الاتصالات غير المعلنة لوضــع آلية مشتركة بين البلدين، تمخضت قبــل أســابيع من زيارة نجاد المشؤومة عن اتفاق آخر على تشكيل لجنة ثنائية برئاسة علي لاريجاني من الجانب الإيراني وشخصية إماراتية وزارية رفيعة المستوى.

كانت تلك لحظة مهمة في علاقتنا مع إيران، فعلاوة على التمهيد الدبلوماسي غير المسبوق كان هناك شعوراً بالأمل والتفاؤل لدى الجانبين في إمكانية الوصول إلى بداية جادة لتسوية هذا الملف العائق، زيارة نجاد ألغت كل شيء وأكدت صعوبة الثقة بأي تعهد قد تقطعه طهران على نفسها.

ما نشهده الآن أن مباحثات بغداد التي ستعقد في الثالث والعشرين من شهر مايو القادم وستتناول الملف النووي الإيراني، والتي بدأ دبلوماسيون غربيون بالحديث عنها بلغة متفائلة تختلف عن مصطلحات التشاؤم والتشكيك المعتادة، قد تقرر أمور عدة من خلف الكواليس ليس أقلها إمكانية عقد صفقة أميركية ــ إيرانية محتملة تتضمن توافقاً مشتركاً فيما يتعلق بالأزمة السورية ومكانة دول الخليج مستقبلاً في ظل أي توكيل أميركي لطهران للقيام مجدداً بلعب دور شرطي المنطقة.

هــذا السيناريو مرعب، والحق أننا يجب أن نتصرف في الخليج الآن بمزيج من الحذر، وكذلك التصعيد المحسوب، وأيضا المشاركة الفاعلة في الحراك الدبلوماسي الدائر أمامنا حــتى لا نفقــد المبادرة، هذا الجهد الخليجي الموحد هو الضامن الأفضل لأمننا ومستقبلنا الذي يجب أن لا يوضع في عهدة قوة خارجية سواء كبرى أو إقليمية بعيداً عنا، فهلا تنبهنا؟

Email