»القاعدة« في قوس الأزمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في سبعينات القرن الماضي، أصدر العالم فريد هاليداى المتخصص في شؤون الخليج العربي، كتابا أسماه "السياسة السوفيتية في قوس الأزمة"، حيث اعتبر أن المنطقة التي تجمع بين شرق إفريقيا واليمن والخليج العربي، هي منطقة نزاع مهمة استراتيجيا في الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.

فهذه المنطقة تتحكم في تدفق النفط من الخليج العربي إلى أوروبا، والتحكم في مدخل البحر الحمر يمكن أن يؤثر بصورة سلبية على الاقتصاد العالمي. كان كتاب هاليداى معتمدا على مقالات نشرها في دورية "اليسار الجديد"، لكن معظم علماء الاستراتيجية وخبراء النفط أكدوا صحة تحليلاته، خاصة مايكل كلير أحد أهم المتخصصين في استراتيجيات النفط.

ويبدو أن تنظيم القاعدة في ظل ما يعانيه من حصار في آسيا الوسطى، قرر أن يهدد الولايات المتحدة وأوروبا في منطقة قوس الأزمة، بما تمثله من أهمية استراتيجية. فوفقا لتطورات متعددة شهدتها دول في "قوس الأزمة"، يمكن القول إن هذه المنطقة أصبحت واحدة من أبرز مناطق النشاط المكثف لتنظيم القاعدة.

ففي 9 فبراير الماضي أعلنت حركة الشباب الصومالية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، انضمامها إلى تنظيم القاعدة، وذلك في تسجيل مصور بثته مواقع إسلامية. وتضمن التسجيل رسالة من زعيم حركة الشباب المجاهدين، ويدعى مختار أبو الزبير، يعلن فيها الولاء لأيمن الظواهري الذي تولى قيادة القاعدة العام الماضي عقب مقتل أسامة بن لادن.

وجاء هذا التطور في وقت واجهت فيه جماعة الشباب ضغوطا شديدة من عدة جبهات. فقد سيطرت قوات الاتحاد الإفريقي مدعومة من القوات الحكومية، على العاصمة مقديشو، كما أرسلت كينيا وإثيوبيا قوات لمطاردة مسلحي الشباب داخل الصومال. كذلك فقدت الحركة جزءا كبيرا من شعبيتها، بعد أن منعت وكالات الإغاثة الأجنبية من ممارسة عملها في المناطق التي تخضع لسيطرتها، خلال أسوأ موجة جفاف تمر بها البلاد منذ 60 عاما.

ورأى مراقبون أن اندماج الشباب في القاعدة يمكن له أن يغير طبيعة الصراع في الصومال، فضلا عن أن هذه الخطوة قد تكون مناورة من قيادة القاعدة، التي أضعفتها بشدة الضربات بطائرات من دون طيار في مخابئها الجبلية في باكستان، وفشلت في تنفيذ أي هجوم كبير ناجح في الغرب منذ عام 2005، حيث إن التنظيم يحتاج في الوقت الراهن لإظهار النفوذ والتأثير، نظرا إلى عجزه العملي.

وبذلك فإن الاندماج مع الشباب يعطيه الفرصة لأن يفعل ذلك. ومن وجهة نظر ليا فارال الخبيرة الأسترالية في شؤون تنظيم القاعدة، فإن هذا "حل قليل المخاطر ورخيص التكلفة للقيادة المركزية للقاعدة، فضلا عن أن ذلك يؤكد سلطة الظواهري على القاعدة ويسمح له بإبراز أهمية التنظيم في وقت يعانى فيه من الضعف"، كما أنه يوفر موطئ قدم للتنظيم في منطقة مهمة عالميا، من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.

وبالطبع فإن القاعدة تستثمر الوضع الراهن في الصومال، الذي يتميز بالفوضى والسيولة، وعجز العالم عن التصدي لعمليات القرصنة والإرهاب المنتشرة في هذا البلد الإفريقى.

وقد اكتسبت القاعدة زخما في أعقاب انضمام حركة الشباب الصومالية لها، حيث كشف تقرير إخباري نشر مؤخرا في لندن، أن عشرات من المسلمين البريطانيين المتشددين، يجري تدريبهم من قبل إسلاميين مسلحين لخوض "حرب مقدسة" في الصومال.

وذكر موقع صحيفة "تليغراف" البريطانية أنه تم تجنيد ما يصل إلى 50 متطوعا من البريطانيين، بينهم مسيحيون اعتنقوا الإسلام ورجال صوماليون يحملون الجنسية البريطانية، للقتال لحساب جماعة الشباب الصومالية التي تستلهم فكر تنظيم القاعدة.

وهذا التطور تزامن مع زيادة في نشاط القاعدة في بلد آخر من بلدان قوس الأزمة هو اليمن، حيث أعلن أن المواجهات بين القوات اليمنية وعناصر القاعدة بلغت ذروتها هذه الأيام، حيث فاقت حصيلة القتلى من الطرفين في الشهرين الماضيين، ما بلغه عدد القتلى والضحايا في مواجهات الطرفين وهجمات تنظيم القاعدة على مدى أكثر من 13 عاماً في الفترة من 1997 وحتى العام 2010.

وكان أبرز ما شهده الشهران الماضيان، هو استهداف القصر الجمهوري في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت في 25 فبراير، في عملية انتحارية أدت إلى مقتل أكثر من 20 من جنود الحراسة، ثم مقتل نحو 150 من ضباط وجنود الجيش في هجوم كبير شنته جماعة "أنصار الشريعة"، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على مواقع عسكرية في منطقة دوفس في محافظة أبين.

وفي 31 مارس شنوا هجوما مباغتا على موقع عسكري في منطقة الحرورة في المحافظة نفسها أيضا، حيث قتلوا ما بين 20 و30 جندياً، واستطاعوا في هذه الهجمات الاستيلاء على عدد من الآليات العسكرية الثقيلة والأسلحة.

وقد تحول نشاط القاعدة، والجماعات الجهادية المرتبطة بها، منذ العام الماضي 2011، من الهجمات المباغتة التي كان ينفذها في الغالب عدد محدود من العناصر، إلى نشاط واسع وحرب مفتوحة تخوضها مجموعات كبيرة من الجهاديين ضد القوات الحكومية في عدة مناطق.

فأثناء الثورة اليمنية العام الماضي، استطاع "أنصار الشريعة" الاستيلاء على أجزاء كبيرة من محافظة أبين في جنوب اليمن، بما فيها عاصمة المحافظة زنجبار، وأعلنت عن قيام إمارة إسلامية أطلقوا عليها "إمارة وقار الإسلامية".

كما تمدد "أنصار الشريعة" في بعض المناطق في المحافظات المجاورة لأبين، حيث أقاموا مركزا تدريبياً لقواتهم في منطقة عزان في محافظة شبوة، وأعلنوا قيام إمارات إسلامية أخرى في شبوة ولحج، كما استطاع مئات من الجماعة السيطرة على مدينة رداع في محافظة البيضاء، لنحو أسبوعين في يناير الماضي.

وهذه التطورات كلها، تعنى أن هناك محاولات جادة من القاعدة للتحكم في "قوس الأزمة"، لبدء مرحلة جديدة من الصراع في مواجهة الغرب.. فهل ينجح التنظيم في ذلك؟

Email