أرجوك ما يخصك

ت + ت - الحجم الطبيعي

من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه، هذه الحكمة التي نتداولها منذ سنوات طويلة يعرفها الصغير منا قبل الكبير، لدرجة أننا بتنا نزرعها في الصغار كي لا يتدخلوا فيما لا يعنيهم حتى صارت هذه الحكمة سمة من سمات البعض في حياتهم الشخصية والعملية، بل إنها في أحيان كثيرة تعدت مستوى الأفراد لتكون على مستوى المجتمع الإقليمي والدولي.

المشكلة لدى البعض انهم يؤمنون ببعض الحكم والأمثال ويطبقونها مع انها خاطئة في كثير من الأوقات، لا يختلف ذلك عن التفسير الخاطئ لبعض الأحاديث كما يفسر البعض حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، فيعتقدون بأن الحديث ينص على مساعدة أخيك حتى عندما يكون ظالماً للآخرين، مع أن القصد منه مساعدته في الكف عن ظلم الناس.

هنا يجب أن نسأل أنفسنا أو نفكر بعض الشيء قبل ترديد هذه الحكمة واعتبارها أسلوب حياة بالنسبة لنا، هل فعلاً من يتدخل فيما لا يعنيه سيلقى ما لا يرضيه؟ وهل يتوجب علينا كأشخاص ألا نتدخل فيما لا يعنينا ان كان حقاً الأمر لا يعنينا؟

ليتخيل الواحد منا أنه يقود مركبته في أمان الله ملتزماً بقوانين السير ثم تلمح سائقا يقود مركبته كأنه أصابه مس من الجنون أو يظن نفسه متسابقاً في حلبة ياس، وتخيل أنك في مكان عام فشاهدت أحدهم يعتدي دون وجه حق على شخص آخر فلا يحرك أحدهم ساكناً لكف الأذى، وتخيل نفسك في موقع ما اكتشفت فيه ان احدهم ينهب المال العام ويستغل وظيفته.

فكر في هذه المواقف ولا مانع في أن تتخيل مواقف أخرى على نفس السياق، فالخيار بالنسبة لك إما أن تتدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو لا تتدخل خيراً أو شراً، ولنسلم جدلاً بأن عدم التدخل سيكون خيارك في هذه المواقف طالما لا تؤثر علينا هو الخيار الأصلح والأسلم، وذلك عملاً بالمثل القائل: الباب الذي تأتيك من الريح سده واستريح.

إن عدم التدخل يعتبر قراراً سلبياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالتغاضي عمن يستهتر بأرواح الناس لا يجوز، فأضعف الإيمان الإبلاغ عن مثل هذه التصرفات كي لا يتمادى هؤلاء في جرائمهم، وغض الطرف عن جريمة تحدث أمام ناظريك قمة في السلبية وعدم المبالاة بالآخرين وقد تكون يوماً مكان احد هؤلاء لتشعر حينها بالسلبية التي تغلغلت في نفوس المجتمع، وسكوتك عن هدر وسرقة المال العام جريمة في حق الدولة فتعتبر حينها شريكا في الجرم ولو لم تشارك فيه فعلياً.

وإذا ما اتخذنا هذا كأسلوب حياة فيعني أن تصبح رسالة الإعلام قائمة على عدم التدخل فيما لا يعنيها، مجرد نقل أخبار عادية جداً، وسيستغنى حينها كتاب الأعمدة والرأي عن أقلامهم وقد يكتفون بالكتابة عن أشياء لا تضعهم في موقف التدخل فيما لا يعنيهم، أو قد يصبح حالهم مثل بعض الإعلاميين الذين اثروا ان تكون كتاباتهم بدون أي نكهة مثل الذي يتعمد أن يمشي بجانب الجدار كي لا تصطدم كتاباته بأحد ما.

وعدم التدخل فيما لا يعنينا يعني أن نترك الأمور تمضي على البركة، فإن مشت في طريق الصواب كان بها، وإن ضيعت المسار وحادت عن الطريق فلا شأن لي بذلك ولا من شاف ولا من دري.

تلك التخيلات والأمثلة كانت على الصعيد البسيط جداً ولنأخذ أمثلة اكبر من ذلك حول ما يدور حالياً من أحداث في العالم، ولنركز مثلاً على الشأن السوري، فالبعض يرى أن ما يحدث في سوريا شأن داخلي ومشاكل لا تعنيه ولا يجوز التدخل فيها.

والبعض الآخر وهي الأكثرية طبعاً ترى بأنه يجب التدخل في الشأن السوري من باب الإنسانية وكل مواثيق الأمم المتحدة ولوضع حد للمجازر التي تحدث يومياً في أنحاء البلاد، نفس الموضوع ينطبق على ليبيا وما شهدته طوال العام الماضي.

إن الحياة تتطلب منا كأشخاص أن نكون أكثر تفاعلاً مع الأحداث والمواقف على كافة المستويات، إذ يجب أن نتخلى عن السلبية التي تقوقع فيها البعض مما ساهم في تفاقم وانتشار تصرفات سلبية في المجتمع.

إن ضرورة التدخل الايجابي لا تعني بأن نقحم أنفسنا في كل شاردة وواردة تحت ذريعة الفعالية بل هناك فرق بين ما هو أمر شخصي بحت وما هو أمر عام، يذكرني هذا بموقف حدث أمامي عندما تفاجأت بشخص كان يحاول فتح سيارة زوجتي، وعندما استفسرت منه عما يفعله أجابني قائلاً: السيارة ليست ملكاً لك، أرجوك ما يخصك!

 

Email